الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الله تعالى:
[سورة الأنعام (6) : الآيات 68 الى 70]
وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» [الأنعام: 6/ 68- 70] .
ذكر الطبري عن السّدّي سبب نزول هذه الآيات، فقال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين، وقعوا في النّبي صلى الله عليه وسلم والقرآن، فسبّوه واستهزءوا به، فأمرهم الله ألا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. والخائضون في آيات الله: هم المكذّبون بها.
هذه الآيات أمر بترك هؤلاء العابثين وتهديد ووعيد لهم، فإذا رأيت أيها النّبي وكل مؤمن الذين يخوضون في آيات القرآن بالتكذيب والاستهزاء، فأعرض عنهم ولا تجالسهم، حتى ينتقلوا إلى التّحدث بحديث آخر، فإذا فعلوا فلا مانع من مجالستهم والتّحدث إليهم. وإن أنساك الشيطان قبح مجالسهم والمنع منها أو النّهي عنها، فجلست مع الخائضين ناسيا، فلا تقعد بعد التّذكر مع القوم الظالمين أنفسهم بالتكذيب والاستهزاء.
وليس نهيكم أيها المؤمنون المتّقون عن القعود، وأمركم بالإعراض عن الخائضين، لأن عليكم شيئا من حسابهم، وإنما هو ذكرى لكم وموعظة، لعلهم يتّقون الخوض في آيات الله، ويذكرون الله وعظمته وجلاله.
(1) يطعنون ويستهزئون.
(2)
خدعتهم.
(3)
أي لئلا تبسل أي تؤاخذ وتجزى وتسلم إلى الهلاك.
(4)
تفتد بكل فداء.
(5)
حبسوا في النار.
(6)
ماء شديد الحرارة.
ثم أكّد الله تعالى ترك المستهزئين بآيات القرآن بقوله: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً.. أي اترك أيها الرسول والمؤمنون الذين اتّخذوا دينهم مجالا للعب واللهو، فإنهم يتلاعبون بدينهم بعبادة الأصنام، يصنعونها بأيديهم ثم يأكلونها، فقد أضاعوا عمرهم فيما لا يفيد، وهذا هو اللعب، وشغلوا أنفسهم عن العمل المفيد، وهذا هو اللهو، وغرّتهم أي خدعتهم الدنيا الفانية، وآثروها على الحياة الباقية، واشتغلوا بلذّات الدنيا الحقيرة، فخاضوا في آيات الله بدلا عما كان يجب عليهم من فهمها وامتثالها، كما قال تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)[الحجر: 15/ 3] .
وذكّر أيها الرسول الناس بالقرآن وعظهم به، لئلا تبسل نفس، أي تجازى وتسلّم إلى الهلاك وتتحمل سوء عملها الذي صدر منها في الدنيا، وذلك في حال لا قريب منها ولا شفيع لها ولا ناصر ينصرها، بل ولا ينفعها عدل أي فداء تفتدي به، فإن بذلت كل فداء، لم يقبل منها، كما قال تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة: 2/ 123] .
وهذا إبطال لمبدأ وثني: وهو رجاء النّجاة في الآخرة، كما في الدنيا بتقديم الفدية لله تعالى، أو بشفاعة الشفعاء، ووساطة الوسطاء عند الله تعالى.
إن جزاء المستهزئين بآيات الله وهو العذاب في نار جهنم، كان بسبب سوء صنيعهم، فأولئك الذين أبسلوا بما كسبوا، أي أولئك المتّخذون دينهم لعبا ولهوا هم الذين جوزوا وعذّبوا بسبب عملهم في الدنيا، وجزاؤهم شراب من حميم، أي من ماء شديد الحرارة، يحرق البطون، ويقطع الأمعاء، ثم ينبت بدلها لتكرار العذاب، كما قال الله تعالى: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ [محمد: 47/ 15] . وقال سبحانه:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56)[النّساء: 4/ 56] .