الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسباب الاهتداء والإضلال
يخلق الله تعالى الإنسان على إحدى صفتين: إما مهتد موفق للخير، وإما ضال غارق في الشر، والله يعلم قبل هذا الخلق حال كل إنسان وما يؤول إليه أمره وتجني يداه، فإن استعمل وسائل الهداية من العقل والعين والسمع في الطريق الصحيح، كان مهتديا، وإن استعمل تلك الوسائل المعرفية في متاهات الانحراف والضلال، كان جاحدا ضالا، قال الله تعالى متوعدا أهل الضلال، ومرغبا أهل الاستقامة:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 178 الى 180]
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (180)
«1» «2» [الأعراف:
7/ 178- 180] .
هذا خبر من الله تعالى أنه خلق لسكنى جهنم والاحتراق فيها كثيرا من الإنس والجن، وهو خبر متضمن وعيد الكفار، والمعنى: من يوفقه الله للإيمان والخير واتباع القرآن والشريعة باستعمال عقله ورشده، فهو المهتدي حقا لا سواه، ومن يخذله ويضله ولا يوفقه ربه ولا يهديه إلى الخير واتباع القرآن الكريم، بسبب تعطيل عقله وحواسه في فهم الآيات الكونية والشرعية، فهو الخاسر البعيد عن الهدى، الذي خسر الدنيا والآخرة، ثم أقسم الله تعالى أنه خلق وأوجد خلقا كثيرا من الجن والإنس مستعدين لعمل يستحق دخول جهنم، وخلق أيضا خلقا آخرين مستعدين لعمل يدخلهم الجنة، كما قال الله سبحانه: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى: 42/ 7] . وقال تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود: 11/ 105] .
(1) خلقنا أو أوجدنا.
(2)
يميلون إلى الباطل.
وأسباب استحقاق أهل الضلالة دخول جهنم: هي أنهم عطلوا وسائل المعرفة الصحيحة التي توصلهم إلى الخير والإيمان، والخير فيما أمر الله به، والشر فيما نهى الله عنه، فهم معرضون عن آيات الله لأن لهم قلوبا لا تفقه ولا تفهم، وأعينا لا تبصر الحقائق، وآذانا لا تسمع سماع تدبر وإصغاء لآيات الله المنزلة على أنبيائه.
وليس الغرض من ذلك نفي هذه الإدراكات عن حواسهم جملة، وإنما الغرض نفيها وعدم استعمالها في الطريق الصحيح، فكأن هؤلاء القوم، لما لم ينفعهم النظر بالقلب ولا بالعين ولا ما سمعوه من الآيات والمواعظ، استوجبوا الوصف بأنهم لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون. إنهم لا يفقهون في قلوبهم شيئا من أمر الآخرة، ولا يبصرون بأعينهم الهدى، ولا يسمعون بآذانهم الحق.
هؤلاء المتصفون بهذه الأوصاف، الذين عطلوا عقولهم وحواسهم هم كالأنعام السائمة، لا همّ لهم إلا التمتع بلذائذ الحياة الدنيوية، بل هم أضل سبيلا منها لأن الأنعام تحرص على ما ينفعها، وتنفر مما يضرها، ولا تسرف في أكلها وشربها، وهؤلاء قوم متهورون يقدمون على النار معاندة، يسرفون في جميع اللذات، ولا يهتدون إلى ثواب، فتكون غفلتهم بمعنى ترك التدبر والاتعاظ، والإعراض عن الجنة والنار.
أما أهل الفطنة والعقل المتدبر المتأمل في المستقبل، فهم الذين عملوا للآخرة، ولم يهملوا ما تتطلبه الدنيا، ولقد أرشدهم الله إلى الإيمان والمزيد من الاستقامة، فقال سبحانه: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها أي لله تعالى أسماء تسعة وتسعون تطلق عليه، للدلالة على أوصافه، وهي أسماء منصوص عليها، ولا يسمى الله تعالى إلا باسم قد أطلقته الشريعة، ودلت عليه. والله يأمرنا بالدعاء بهذه الأسماء كالحي القيوم، الرحمن الرحيم، الحليم العظيم الغفور، السميع البصير، وغير ذلك، وهي