الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الالتجاء إلى الله وحده في الشّدائد
هناك أدلّة لا شعوريّة أو لا إراديّة على قدرة الله عز وجل، مغروسة في الفطرة الإنسانية، وهي اللجوء إلى الله تعالى من المؤمنين والكفرة إذا نزلت بهم نازلة أو بلية أو محنة، فلا يجدون ملاذا ولا مفزعا يلوذون به أو يفزعون إليه سوى الله سبحانه القادر القاهر، المتصرّف في الكون حسبما يشاء، يقدر المقدورات، ويهيء الأسباب، أو يقول للشيء: كن فيكون. قال الله تعالى:
[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» [الأنعام: 6/ 40- 45] .
هذه ردود قاطعة الدلالة على الكفار الجاعلين لله شركاء، ترشدهم إلى وحدانية الله، وتدلّهم على أنهم لا بدّ من لجوئهم إلى الله طوعا أو كرها. والمعنى: قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: أخبروني عما أنتم فاعلون، أرأيتم إذا أتاكم أمارات عذاب الله، مثلما نزل بالأمم السابقة كالخسف والريح الصّرصر العاتية، والصاعقة، والطّوفان، أو خفتم هلاكا، أو خفتم الساعة وأتتكم القيامة بأهوالها ومخازيها، أتدعون أصنامكم وتلجؤون إليها في كشف ذلك إن كنتم صادقين في قولكم: إنها آلهة؟!
(1) أخبروني عن أمركم العجيب.
(2)
الفقر والمرض.
(3)
يتذلّلون ويتوبون.
(4)
أتاهم عذابنا.
(5)
عذّبناهم فجأة.
(6)
آيسون من الرّحمة. [.....]
(7)
آخرهم.
ثم بادر الله إلى الجواب بقوله: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ.. أي بل تدعون الله الخالق الرازق، فيكشف ما خفتموه إن شاء، وتنسون أصنامكم، أي تتركونهم، ولا تذكرون في ذلك الوقت إلا الله، فكيف يجعل إلها من هذه حاله في الشدائد والأزمات؟! الواقع: أنه لا ملجأ لكم إلا الله، وأصنامكم مهجورة منسية! وذلك أن الله تعالى أودع في فطرة الإنسان شعوره بالضعف وتوحيد الله والإذعان التّام للخالق المبدع، مالك الأرض وباسط السماء. وأما الشّرك فهو شيء موروث في البدائيين، وعبث وظلم، وانحراف عن الفطرة السّوية، وانشغال بما لا يفيد. ثم ذكّر الله المشركين الكفرة بضرب الأمثال بالأمم السابقة، مبيّنا أنه أرسل الرّسل للأمم المتقدمة، قبل النّبي محمد صلى الله عليه وسلم، فدعوهم إلى توحيد الله وعبادته، فلم يستجيبوا، فاختبرهم الله بالبأساء والضّراء، أي بالفقر وشدة العيش، والمرض والألم، لعلهم يدعون الله ويتضرّعون إليه ويخشعون لأن الشّدائد تنبت الرجال وتصحّح المواقف.
والتّرجي في (لعلّ) إنما هو في معتقد البشر، فلو رأى أحد أمارات العذاب لرجا تضرّعهم بسببه. ثم أكّد تعالى الحضّ على التّضرع لله، وألا سبيل للناس إلا إلى الله، فهلا إذا نزل بهم أوائل البأس والعذاب ومقدمات الشدائد تضرّعوا إلى الله خاشعين تائبين؟!! ولكنهم لم يفعلوا وصلبت قلوبهم، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وزيّن لهم الشيطان أفعالهم من الشّرك والعصيان، ووسوس لهم حتى حسّن لهم الكفر في قلوبهم، ورغّبهم في سوء أعمالهم. فلما تركوا ما أنزل الله، وأصروا على كفرهم، فتحنا عليهم أبواب الرزق، استدراجا لهم منه تعالى، حتى إذا فرحوا بما أوتوا من الأموال والأولاد، أخذناهم على غفلة بعذاب الاستئصال.
فهلك القوم الظالمون أنفسهم بالكفر وتكذيب الرّسل، وقطع دابر القوم، أي آخر الأمر الذي يأتي من خلفه، ولم يبق منهم أحد، وهذا كناية عن استئصال شأفتهم