الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آثار المنكر ولكن شخصية الاثنين متفاوتة، فموسى أقوى شخصية وأشد تأثيرا، وكان هو المتميز بين بني إسرائيل عن أخيه، فكانت استجابتهم له أسرع وأفضل، والله الموفق لما يريد.
نهاية قصة اتخاذ العجل إلها
الجزاء العادل في كل دين حق وواجب، حق للمجتمع حتى يتم استئصال دابر الجريمة وتصفية آثارها وانعكاساتها على مشاعر الناس وما تحدثه من هزات واضطرابات، والجزاء واجب أيضا لكل جان مخالف أجرم في حق نفسه وأمته، لذا لم يهمل التشريع الإلهي الإشارة إلى عقاب المسيء الذي اتخذ العجل لقومه إلها وشايعه ضعفاء العقيدة والإيمان، بالرغم من إنهاء موسى عليه السلام وتحطيمه العجل المصنوع وإلقائه في البحر، قال الله تعالى مقررا عقاب المسيء:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 154]
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
[الأعراف: 7/ 152- 154] .
خاطب الله تعالى موسى عليه السلام مبينا له ما يجب اتخاذه مع صانع العجل والراضين به. وهو أن الذين اتخذوا العجل إلها ومعبودا بعد غيبة رسولهم موسى عليه السلام، واستمروا في تأليهه وعبادته كالسامري وأتباعه، سيصيبهم عذاب شديد من ربهم، وينالهم غضب الله وسخطه، وتلحقهم ذلة وصغار في الحياة الدنيا، بإخراجهم من ديارهم وتشريدهم، وهوانهم على الناس واحتقارهم لهم، والغضب والذلة: هو أمر بقتل أنفسهم، وقتل بعضهم بعضا، كما جاء في آية أخرى: فَتُوبُوا
إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
[البقرة: 2/ 54] .
ومثل ذلك الجزاء الذي نزل بالظالمين من بني إسرائيل في الدنيا، نجزي القوم المفترين على الله في كل زمان، والمعنى: أن كل مفتر في دين الله جزاؤه غضب الله والذلة في الدنيا، ويشمل ذلك كل من افترى بدعة تصادم أصول الدين، وتخالف هدي الله وإرشاده، قرأ أبو قلابة الجرمي هذه الآية: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ فقال: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة.
ويمتاز أسلوب القرآن في الجمع بين الأشياء المتضادة في وقت واحد، قارنا بين الترغيب والترهيب في مقام واحد، فناسب هنا أنه تعالى بعد أن ذكر جزاء الظالمين، فتح باب الأمل والتوبة والإصلاح أمام التائبين، فنبه الله تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبتهم من أي ذنب كان، حتى ولو كان الذنب كفرا أو شركا أو نفاقا أو شقاقا ونزاعا، فقال سبحانه: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أي إن الذين ارتكبوا الأعمال السيئة والمعاصي المنكرة شرعا، وعلى رأسها الكفر والشرك، ثم تابوا، أي رجعوا من بعدها إلى الله، بأن آمن الكافر، وأقلع العاصي عن عصيانه، واستقام المؤمن على منهج ربه، وآمنوا إيمانا خالصا من الشوائب، وقرنوا الإيمان بالعمل الصالح، إن ربك أيها النبي من بعد تلك الفعلة القبيحة لغفور لهم، ستار لذنوبهم، رحيم بهم، يجزي بالحسنة عشر أمثالها، ويكافئ على القليل بالجليل الكثير. وهذا دليل واضح على أن جميع السيئات قابلة للغفران بالتوبة النصوح.
ثم تحدث القرآن العظيم عن حال موسى وهدأته من غضبه، فذكر أنه لما سكن غضب موسى على قومه، وهدأت نفسه بتوبة أكثر قومه، أخذ الألواح التي كتبت فيها