الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخطر الأمور، في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا ضرر في الصحة والسمعة والاعتبار الأدبي، وفي الآخرة ضرر دائم محقّق بالعذاب في نيران جهنم.
ومن أجل خير الإنسان ونفعه والحفاظ على مصلحته وكرامته حرّم الشرع المعاصي والمنكرات، وأوعد مرتكبيها بالجزاء الشديد والعقاب الأليم، غير أن الله الرحيم بعباده فتح لهم باب الأمل وأزال من النفوس رواسب اليأس والإحباط، ورغب في العودة إلى الجادة المستقيمة، والالتزام بمرضاة الله تعالى، فوعد سبحانه التائبين المحسنين أعمالهم بالمغفرة، أي ستر الذنب وإسقاطه وجعل للمغفور له أن يدخله الجنة بلا عذاب ولا عقاب، لكن من شاء عذّبه من المؤمنين بذنوبه، ثم يدخله الجنة.
قال الله تعالى مبينا دستوره في الوعد والوعيد:
[سورة النساء (4) : آية 48]
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (48)
[النساء: 4/ 48] .
هذه الآية مسوقة للرد على أولئك الذي يحلمون بمغفرة الله من دون الإيمان، قائلين:(سيغفر لنا) بالرغم مما يفعلون ويرتكبون.
وسبب نزولها كما
جاء عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام، قال: وما دينه؟ قال: يصلي ويوحد الله، قال: استوهب منه دينه، فإن أبى فابتعه منه، فطلب الرجل ذلك منه، فأبى عليه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: وجدته شحيحا على دينه، فنزلت: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ.
وهذه الآية مخصصة لقوله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)[الزمر: 39/ 53] .
أي إن كل الذنوب والمعاصي قابلة للغفران ما عدا جريمة الشرك، أي نسبة الولد والشريك والصاحبة لله عز وجل، فالشرك أعظم الجرائم عند الله تعالى لأنه يمنع
نور الإيمان من الوصول إلى القلب، وهو منتهى ما تهبط إليه عقول البشر، ومنه تتولد سائر الرذائل التي تهدم كيان الأفراد والجماعات، ولا غرابة في ذلك فالمشرك يظن أن في الصنم أو البشر مثله تأثيرا في الكون والحياة. أما التوحيد والإيمان الخالص لله عز وجل من كل شوائب الشرك، فيسمو بالنفس إلى عبادة الرب، والاعتماد عليه وحده، والتوكل عليه والإخلاص له، وفي هذا نور القلب، وصفاء الروح، ونور البصيرة، والعزة الكاملة، لذا كانت المعاصي كلها بعد الإيمان قابلة للمغفرة وقبول التوبة، لأن نور الإيمان يسترها، غير أن المغفرة مرتبطة بمشيئة الله، وهي للعباد التائبين الذين يعملون الصالحات التي أمر الله بها، وانتهوا عما نهى الله عنه، لقوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ [هود: 11/ 114] .
والناس أمام السيئات أربعة أصناف:
1-
كافر مات على كفره، فهذا مخلد في النار بالإجماع.
2-
ومؤمن محسن لم يذنب قط، ومات على ذلك، فهذا في الجنة بالإجماع.
3-
وتائب مات على توبته: وهذا لا حق بالمؤمن المحسن، ولكن بمشيئة الله.
4-
ومذنب مات قبل توبته، ومرد هذا ومصيره إلى الله تعالى، إن شاء عذبه وإن شاء سامحه، للآية السابقة: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. أي إن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم، فمن شاء الله المغفرة له غفر له، ومن شاء أن يعذبه عذبه، وكل ذلك بحكمة إلهية عالية، نترك الأمر في معرفتها لله رب العالمين.