الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتخلفين عن القيام بالواجب والمشاركة بالجهاد وخوض المعارك من غير عذر شرعي.
قال الله تعالى مقررا هذا المبدأ:
[سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96)
«1» [النساء: 4/ 95- 96] .
روى البخاري وغيره أن الآية لما نزلت: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ جاء عبد الله بن أم مكتوم- وكان أعمى- حين سمعها، فقال: يا رسول الله، هل من رخصة، فإني ضرير البصر؟ فنزلت عند ذلك غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم أحد كتاب الوحي، فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف، فقال: اكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ.
والآية تقرر أنه لا مساواة في الشرع والطبع والعقل بين المؤمنين المجاهدين بأموالهم وأنفسهم وبين القاعدين بأنفسهم، المتكاسلين حرصا على الراحة والنعيم والبعد عن المخاطر والتضحيات. وقوله تعالى: بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ هي الغاية في كمال الجهاد، لقد فضل الله المجاهدين على القاعدين بالأجر العظيم، ومنحهم الدرجات العالية في الجنان، والظفر بالمغفرة الكبيرة الواسعة من الله تعالى بسبب ما قدموا من جهود وتحملوا من أعباء ومتاعب، وتعرضوا للظمأ والعطش، والجوع في سبيل الله، وأغاظوا الأعداء، ودافعوا عن البلاد والحرمات، وقمعوا العدوان، وأحبطوا مكائد المعتدين، وردوا كيدهم في نحورهم، وحققوا لواء العزة والمجد للمؤمنين وديارهم فلا غرابة أن يستحقوا الرضوان الإلهي، وتعمهم نفحات الرحمة والفضل الواسع.
(1) أصحاب الأعذار المانعة من الجهاد.
ومن فضل الله وكرمه أنه استثنى أصحاب الأعذار من تكليف الجهاد، وهم أولو الضرر، أي المرض ونحوه، كالعميان والعرجان والزمنى (المصابين بمرض مزمن) وغيرهم من ذوي العاهات والأعذار المبيحة لترك الجهاد، فهؤلاء لا لوم عليهم ولا عتاب لهم، لتوافر نياتهم الطيبة بالجهاد عند القدرة،
روى البخاري وأحمد وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عند دخوله المدينة بعد غزوة تبوك: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟! قال: نعم وهم بالمدينة، حبسهم العذر»
فهذا تزكية من النبي صلى الله عليه وسلم وقبول لعذر هؤلاء المعذورين.
وحينئذ يكون القعود عن الجهاد مذموما حيث لا عذر يمنع منه، ويكون للمجاهدين المخلصين في جهادهم منازل رفيعة في غرف الجنان العاليات، يصعب في تقدير الناس في الدنيا حصرها وعدها، كما قال الله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)[الإسراء: 17/ 21] .
والتفاضل في الدرجات مبني على مدى قوة الإيمان، وإيثار رضا الله على الراحة والنعيم، وترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة،
جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض»
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رمى بسهم فله أجره درجة، فقال رجل: يا رسول الله، وما الدرجة؟ فقال: أما إنها ليست بعتبة أمك، ما بين الدرجتين مائة عام» .