الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسباب التّرغيب والتّرهيب
يحرص القرآن الكريم على اتّباع منهج الجمع بين الترغيب والترهيب، ليكون الترغيب دافعا إلى البناء والعمل الإيجابي، ويكون الترهيب والتخويف سببا في البعد عن الهدم والانهزام وسلبيات الأمور والأوضاع.
ويفهم الإنسان المؤمن العاقل حين اقتران الترغيب بالترهيب ضرورة الموازنة والتفكير الجدي والعمل الحاسم بتوجيه نفسه وغيره نحو الخير، واجتناب الشّر والمنكر. وسرعان ما تظهر نتيجة الموازنة والمقارنة سواء في الدنيا أو في الآخرة، ففي الدنيا يظفر فاعل الخير بالسعادة وتحقيق السمعة الطيبة، ويسقط الشرير من أعين الناس، ويحذرونه وينأون عنه، وفي الآخرة يحظى المؤمن الصالح بالخلود في جنّات النعيم، والنجاة والفلاح في الحساب بين يدي الله تعالى، ويتلقى الكافر والفاسق والعاصي في الآخرة صفعة موجعة مؤلمة، ويتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.
قال الله تعالى:
[سورة المائدة (5) : الآيات 98 الى 100]
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَاّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)
[المائدة: 5/ 98- 100] .
وسبب نزول آية: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ.. فيما
أخرج الواحدي والأصفهاني عن جابر رضي الله عنه: أن النّبي صلى الله عليه وسلم ذكر تحريم الخمر، فقام أعرابي فقال: إني كنت رجلا كانت هذه تجارتي، فاعتقبت منها مالا، فهل ينفع ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله تعالى؟ فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبل إلا الطيب، فأنزل الله تعالى تصديقا لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) .
خوّف الله تعالى عباده ورجّاهم، وأرهبهم ورغّبهم في قوله سبحانه: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) . وهذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه حال الناس، فجدير بالإنسان أن يكون خائفا، عاملا بحسب الخوف، متّقيا متأنسا بحسب الرجاء لأن الله لم يخلقنا عبثا، ولم يتركنا هملا، بل لا بد من جزاء العاصي، وإثابة الطائع، والله سبحانه شديد العقاب لمن خالف أوامره، فأشرك بالله وفسق وعصى ربّه، وهو تعالى غفار رحيم (كثير المغفرة والرحمة) لمن أطاعه، ونفّذ أوامره، واجتنب نواهيه، يرحم التّائبين المصلحين أعمالهم من وقت قريب قبل أن يدركهم الموت، وهذه الآية تقتضي أن الإيمان لا يتم إلا بالرجاء والخوف. وأن الاعتدال هو بخشية العذاب، وحسن الظن بالله تعالى معا. وفي تقديم العقاب على المغفرة دليل على أن جانب الرحمة أغلب لأن رحمته تعالى سبقت غضبه كما صح في الحديث النّبوي، وكما قال تعالى: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [المائدة: 5/ 15] .
وليس من وظيفة الرسول حمل الناس على الهداية والتوفيق للإيمان، وإنما عليه التبليغ وأداء الرسالة، ثم يتولى الله إثابة المطيع، ومعاقبة العاصي، لأنه سبحانه يعلم ما ينطوي عليه صدر العبد، ويعلم ما تبدون وما تكتمون، ويعلم السّر وأخفى، وإلى الله المرجع والمآب.
ثم أمر الله نبيّه بأن يعلم الناس: أنه لا يستوي الخبيث والطيب، والكافر والمؤمن، والضّار والنافع، والفاسد والصالح، والظالم والعادل، والحرام والحلال، ولو أعجبك أيها المشاهد كثرة الخبيث من الناس أو كثرة المفسدين أو الأموال الحرام عند شخص ما كالرّبا والرّشوة والخيانة، أو ولو تعجبت من قلّة الطيب من الصالحين الأبرار. قال تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)[ص: 38/ 28] .