الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونزلت آية الأمر بإطاعة الله والرسول في خالد بن الوليد وعمار بن ياسر اللذين تسابا وتشاتما أمام الرسول، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:«يا خالد، لا تسب عمارا، فإنه من سب عمارا سبّه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله، ومن لعن عمارا لعنه الله»
فغضب عمار وذهب، فتبعه خالد واعتذر إليه، وتراضيا، فنزلت الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
فطاعة الله والرسول واجبة، بتنفيذ أحكام الله، واتباع سنة رسول الله، وكذلك تجب طاعة ولاة الأمر من أهل الحل والعقد في الأمة، أي السلطة التنفيذية في الأمة، وأولي الاجتهاد في التشريع من العلماء والحكام والولاة العدول، فإن حدث تنازع واختلاف في وجهات النظر، فالواجب رد الأمر إلى نظيره ومثيله في القرآن والسنة، ولا يفهم ذلك إلا العلماء الأعلام المخلصون لله ورسوله، وعليكم أيها المختلفون العمل بهذه الوصايا وامتثال أوامر الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فذلك خير لكم في الدنيا والآخرة، وأحسن تأويلا، أي مآلا وعاقبة.
أبرز مواقف المنافقين من القرآن الكريم
ابتليت هذه الأمة بفئة جبانة ضعيفة، تدس في الخفاء، وتطعن في الخلف، وهم المعروفون بالمنافقين، الذين أظهروا الإسلام خداعا، وأبطنوا الكفر والعداوة والتحيز لفئة المشركين وصف غير المؤمنين من الكتابيين. وكان أبرز موقف للمنافقين تجاه القرآن الكريم: هو تجاوز القرآن والتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، وذلك مع الإصرار والعناد والمجاهرة بالفسق والضلال.
قال الله تعالى واصفا أحوال هؤلاء المنافقين:
[سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَاّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (62) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63)
«1» [النساء: 4/ 60- 63] .
نزلت في رجل من المنافقين اسمه: بشر، كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد ليفصل بيننا في هذه القضية، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف، وهو الذي سماه الله تعالى الطَّاغُوتِ فأبى اليهودي إلا الاحتكام إلى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقضى رسول الله لليهودي، فلم يرض المنافق بهذا الحكم، وقال: ننطلق إلى عمر بن الخطاب، فجاء إليه، فلما علم بأن المنافق لم يرض بحكم رسول الله، أحضر سيفه، وضرب به المنافق حتى مات، وقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، وهرب اليهودي، ونزلت هذه الآية، وقال جبريل عليه السلام: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمي الفاروق.
لقد كشف الله في هذه الآيات موقف المنافقين الذين لا يطيعون الرسول، ولا يرضون بحكمه، بل يريدون حكم غيره كالكاهن أبي برزة الأسلمي، أو الطاغية كعب بن الأشرف.
والمراد بالذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل على محمد هم المنافقون، والذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبله هم اليهود، وقد أمر الفريقان بالكفر بالطاغوت وهو الكاهن أبو برزة الأسلمي، أو كعب بن الأشرف، وهو الذي تراضى به
(1) الطاغية: الضال كعب بن الأشرف اليهودي.
الخصمان في الاحتكام إليه، وسمي ابن الأشرف طاغوتا لإفراطه في الطغيان، وعداوة الرسول صلى الله عليه وسلم والبعد عن الحق.
والآية تأنيب للصنفين المذكورين اللذين أمرا في القرآن الكريم والكتب السابقة أن يكفرا بالطاغوت ويجتنباه، لقوله سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 16/ 36] وقوله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى [البقرة: 2/ 256] .
إن الإيمان بالله ورسله يتنافى مع الاحتكام لغير كلام الله، أو الإيمان بالطاغوت، وإيثار حكمه على حكم الشرع الشريف، ولكن الشيطان بوسوسته وشروره يريد أن يضل المنافقين وأمثالهم ضلالا بعيدا عن الحق والصواب.
وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول للاحتكام والقضاء، فهو الصراط المستقيم، رأيت المنافقين يصدّون عن محمد وعن دعوته صدودا مؤكدا، ويعرضون عن قبول حكمه إعراضا شديدا، بكل ما أوتوا من قوة وحجة، والدافع لهم إلى ذلك: هو اتباع شهواتهم ومآربهم الخاصة.
ثم أنذر القرآن هؤلاء المنافقين وحذرهم في حال تعرضهم لمصيبة من المصائب، وافتضاح أمرهم، وظهور حالهم، وانكشاف سترهم بما قدمته أيديهم، كيف يكون حالهم؟! هذا إنذار بالخطر الواقع بهم حتما، وحينئذ يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله وهم الكاذبون، قائلين: ما أردنا بأعمالنا هذه إلا إحسانا في المعاملة، وتوفيقا بين الخصوم بالصلح، ولكن حيلتهم مكشوفة، فهم الذين لعنهم الله، وعلم ما في قلوبهم من الكيد والحقد والحسد، وانتظار الشر بالمؤمنين، ويكون جزاؤهم الإعراض عنهم ومجافاتهم وترك الترحاب بهم، وتعنيفهم بالقول المؤثر البليغ في أنفسهم، لعلهم يتدبرون ويتفكرون في إصلاح شؤونهم، وتغيير مواقفهم.