الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أنذر الله تعالى الخائنين بما يحل بهم من عقاب، وبيّن حال من فات النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وغيره، لئلا يبقى حسرة في قلب هذا النبي الذي آذوه. ومضمون الإنذار:
لا يظنن الذين كفروا أنهم فاتوا وأفلتوا من الظفر بهم. ونجوا من عاقبة خيانتهم، وأنهم فاتونا فلا نقدر عليهم، بل هم تحت قدرتنا وفي قبضة مشيئتنا، فلا يعجزوننا، كما جاء في آية أخرى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ [العنكبوت: 29/ 4] أي بئس ما يظنون. والمراد بذلك تطمين النبي صلى الله عليه وسلم أنه منتقم ممن كفروا وآذوه، وقطع لأطماعهم بالتغلب على المؤمنين، وإنذار لهم بسوء المصير، وتعرضهم لشديد العقاب، فما عليك أيها النبي إلا الصبر، والله مع الصابرين.
الإعداد الحربي للعدو وإيثار السلم
القرآن الكريم دستور الأمة وهو يعلّمها ويرشدها لضرورة الاستعداد الحربي الدائم لقتال الأعداء، حتى في حال المسالمة والمعاهدة أو الصلح، لأن العدو لا يؤمن جانبه، ويجب الحذر الدائم من أعماله ومخططاته، فإن آثر الحرب كنا مستعدين له، وإن رغب في السلم سالمناه، ويلزم في كل حال الاستعانة بالله إذا راوغ العدو وحاول الخداع، قال الله تعالى مبينا هذه القواعد:
[سورة الأنفال (8) : الآيات 60 الى 62]
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)
«1» «2» «3»
(1) كل قوة في الحرب.
(2)
خيول الجهاد.
(3)
مالوا للمسالمة والمصالحة.
«1» [الأنفال: 8/ 60- 62] .
تضمنت الآيات قواعد أو مبادئ أربعة مهمة في العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم، وهي خطاب لجميع المؤمنين:
القاعدة الأولى: الاستعداد الدائم لمواجهة الأعداء، بجميع أوجه الإعداد المادي والمعنوي والفني والمالي، بما يناسب كل عصر وزمان، لأن الجيش المقاتل درع البلاد وسياج الوطن، به يدفع العدوان، وتدحر قوى البغي والشر والتسلط، ولا يعقل أن نواجه الأعداء إلا بنفس المستوى الحربي والسلاح المتطور الذي تعتمد عليه الجيوش المحاربة، وبالقوى المماثلة المناظرة عند الآخرين، لذا وردت كلمة قُوَّةٍ نكرة في قوله تعالى: مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وهي تشمل مختلف أنواع القوى البرية والبحرية والجوية، من حيوان وسلاح وألبسة وآلات ونفقات وتقنيات متطورة، ولما كانت الخيول في الماضي هي أصل الحروب وأقوى القوى وحصون الفرسان، خصها الله بالذكر تشريفا لها، وإذا تغيرت الوسائل الحربية، تغير الواجب لإرهاب عدو الله وعدو المؤمنين الظاهر والعدو الخفي الذي نعلمه أو لا نعلمه وإنما يعلمه الله، فالإرهاب سبب الإعداد، وطريق تحصين البلاد وتوفير الأمن والسلامة.
والقاعدة الثانية: الإنفاق الضروري للتسليح لأن تحقيق النصر والإعداد الملائم لا يكون إلا بالمال، والإنفاق السخي هو سبيل توفير الأموال، وفيه ثواب عظيم عند الله تعالى في الدنيا والآخرة، سواء كان المال قليلا أو كثيرا في سبيل الله، فقد يجازي الله بعض المؤمنين المنفقين في الدنيا مجازاة مضافة إلى مجازاة الآخرة. وإذا توافر
(1) كافيك في رد خديعتهم.
المال الضروري لكل إعداد ومعركة، أمنت البلاد وأهلها، ولم يقعوا في ظلم الجوار وتسلط الأعداء، وكان للمنفقين في سبيل الله والجهاد الدرجة العليا في الآخرة، قال الله تعالى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة: 2/ 272] .
والقاعدة الثالثة: إيثار السلم، فبعد توافر الإعداد الحربي والاستعداد التام للجهاد إن مال العدو إلى طلب الصلح أو المعاهدة، ورغب في السلم وآثره على الحرب والقتال، فالحكم قبول الصلح حسبما يرى الإمام الحاكم من المصلحة للإسلام والمسلمين، وإذا لم يغتصب العدو بلادنا وديارنا، فإنه في حال الغضب وتوافر القوة لا يجوز إقرار الغاضب على ظلمه، وإبقاء الديار في حوزته وتحت سلطانه، وإذا تم الاتفاق على الصلح، وجب التوكل على الله والثقة به، وتفويض الأمر إليه، دون خوف من مكر العدو وخديعته، فإن الله يحمي المؤمنين من مكيدة العدو أو مكره وغدره في جنوحه إلى السلم، والله سميع لما يقولون، عليم بما يفعلون. وقوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أمر في ضمنه وعيد.
والقاعدة الرابعة: الاعتماد على الله في كل حال: فإن أراد العدو بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا، وأظهروا السلم وأبطنوا الغدر والخيانة، فلا تأبه أيها النبي بنياتهم الفاسدة، واجنح إلى السلم، فإن الله كافيك ومؤيدك بالنصر والغلبة، كما يؤيدك المؤمنون المخلصون وهم الأنصار. وهذا وعد محض من الله بالتأييد، وحسن ظن بمؤازرة المؤمنين، فعلى المؤمنين أن يكونوا دائما أقوياء العزم والعزيمة، ثابتي الجنان، فإن الله معهم بالنصر والمعونة إن نصروا دينه وشرعه، ولا شك أن هذا يقوي الروح المعنوية في الصف الإسلامي والجيش المؤمن، الذي نذر نفسه للجهاد في سبيل الله والحق والعدل وإعلاء كلمة الله، وأرخص النفس والمال النفيس من أجل إعلاء بناء المجد والحفاظ على صرح الإيمان وكيان المؤمنين.