الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل أساليب الاستعمار الحاقد البغيض، قال الله تعالى مبينا مقصد القرآن العام:
[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 26]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
«1» [الأنفال: 8/ 24- 26] .
تتضمن الآيات الأمر القاطع للمؤمنين بإجابة الله والرسول بالإصغاء والطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواه، لأن دعوة الله والرسول دعوة لما يحييكم حياة طيبة أبدية مشتملة على سعادة الدنيا والآخرة، وفيها صلاحكم وخيركم، وفيها كل حق وصواب، وذلك شامل القرآن والإيمان والجهاد وكل أعمال البر والطاعة، والأمر للوجوب، ومن لم يمتثل أحكام القرآن فهو ميت لا حياة فيه، كما قال الله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها [الأنعام: 6/ 122] . والغارق في الضلال والكفر والجهل ميت مجازا وإن كان في الظاهر حيا.
إن دعوة القرآن دعوة إحياء بالعزة والغلبة والظفر، فسمي ذلك حياة، والحياة العزيزة الكريمة في الدنيا بالتزام أحكام القرآن متصلة بحياة الآخرة. ثم حذر القرآن الكريم من التراخي في طاعة أوامر الله ورسوله، فقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أي بادروا إلى الاستجابة قبل ألا تتمكنوا منها بزوال العقل، وقد أراد بالقلب العقل أي يحول بين المرء وعقله، حتى لا يدري ما يصنع.
وهذا دليل حسي واضح على أن قدرته وإحاطته وعلمه تتداخل بين المرء وقلبه،
(1) يستلبوكم.
وتحول بين الإنسان وفكره. والمصير في النهاية أن جميع الناس مجموعون إلى الله في الآخرة للحساب.
وبعد هذا التحذير حذر الله تعالى من الفتن فقال: وَاتَّقُوا فِتْنَةً أي احذروا الوقوع في الفتنة وهي الاختبار والمحنة التي يعم فيها البلاء المسيء وغيره، ولا يخص بها أهل المعاصي أو مرتكبي الذنوب، بل يعمهم وغيرهم والله شديد العذاب لمن عصاه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر فيما بينهم، فيعمهم الله بالعذاب.
والمراد بها عموم الناس، فالله يريد أن يحذر جميع المؤمنين من فتنة إن أصابت لم تخص الظلمة فقط، بل تصيب الكل من ظالم وبريء، وهذا وعيد لكل من تأول آية أو حكما قرآنيا، أو خالف هدي الله وشرعه.
ثم نبّه الله المؤمنين والعرب خاصة قبل الإسلام إلى ما أنعم به عليهم، وعدّد نعمه وإحسانه عليهم، قائلا: واذكروا حالكم حين كنتم قلائل فكثّركم، ومستضعفين خائفين، فقواكم ونصركم، وفقراء فرزقكم من الطيبات، وهذا كان حال المؤمنين قبل الهجرة من مكة إلى المدينة، لقد كان أولئك المؤمنون قلة مستضعفين في مكة، والمشركون أعزة كثرة يذيقون المؤمنين سوء العذاب، وكان المؤمنون خائفين غير مطمئنين، يخافون أن يتخطفهم الناس، أي يأخذهم المشركون بسرعة خاطفة للقتل والسلب، كما كان يتخطف بعضهم بعضا خارج الحرم المكي، كما قال الله تعالى:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت: 29/ 67] .
ثم امتن الله عليكم أيها المؤمنون، فجعل لكم مأوى تتحصنون به في المدينة، وأيديكم، أي أعانكم يوم بدر وغيره بنصره المؤزر، وسيؤيدكم بنصره على من سواكم خارج الجزيرة العربية بالغلبة على الروم والفرس، ورزقكم من الطيبات رزقا حسنا