الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصدر النّبوة والأدب مع النّبي صلى الله عليه وسلم
اليهود قوم مخادعون، يتلاعبون بالألفاظ، وينشرون الأذى على الناس كما تنشر الأفعى سمومها، ويحقدون على الآخرين، ولا سيما العرب، وكانوا يتوقعون أن يكون نبي آخر الزمان منهم، فلما بعث من العرب عادوه وآذوه. وقد حذّر القرآن الكريم المؤمنون من محاكاة ألفاظهم واتّباع أساليبهم، وهذا ما صرّحت به الآيات التالية:
[سورة البقرة (2) : الآيات 104 الى 105]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)
«1» «2» [البقرة: 2/ 104- 105] .
قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها، فلما سمعهم اليهود يقولونها للنّبي صلى الله عليه وسلم أعجبهم ذلك، وكان قول (راعنا) في كلام اليهود سبّا قبيحا، فقالوا: إنا كنا نسبّ محمدا سرّا، فالآن أعلنوا السّبّ لمحمد، فإنه من كلامه، فكانوا يأتون نبي الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد راعنا، ويضحكون، ففطن بها رجل من الأنصار، وهو سعد بن معاذ، وكان عارفا بلغة اليهود، وقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذي نفس محمد بيده، لئن سمعتها من رجل منكم لأضربنّ عنقه، فقالوا: ألستم تقولونها؟ فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا الآية.
كان اليهود يستعملون كلمة (راعنا) بقصد السّبّ ونسبة الجهل والحمق للمخاطب، وكانوا يقولون إذا ألقى عليهم النّبي صلى الله عليه وسلم شيئا من العلم: راعنا سمعك،
(1) كلمة سبّ وطعن من اليهود، من المراعاة، يراد بها الجهل والحمق.
(2)
انظر إلينا أو انتظرنا وتأنّ بنا.
أي اسمع لنا ما نريد أن نسألك عنه، ونراجعك القول لنفهم عنك. وهم يقصدون بها معنى السّب والشّتم، وأصلها في العبرية:(راعينو) أي شرّير، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة، وأمرهم بكلمة تماثلها في المعنى، وتختلف في اللفظ، وهي (انظرنا) التي يراد بها النظر إلينا، أو الإنظار والإمهال، أي أقبل علينا وانظر إلينا.
واسمعوا أيها المؤمنون القرآن سماع قبول وتدبّر وإمعان، وللكافرين ومنهم اليهود عذاب مؤلم شديد. وهذا دليل على أن ما صدر منهم من سوء أدب في خطاب النّبي صلى الله عليه وسلم كفر، لأن من يصف النّبي بأنه (شرير) فقد أنكر نبوّته، فصار هذا أدبا للمؤمنين، وتشنيعا على اليهود.
واحذروا أيها المؤمنون خبائث اليهود وألوان مكرهم وكيدهم، فما يودّ أهل الكتاب ومشركو العرب أن ينزل عليكم من خير، من ربّكم، كالقرآن والرّسالة النّبوية، والكتاب الكريم أعظم الخيرات، فهو الهداية العظمى، وبه جمع الله شملكم ووحّد صفوفكم، وطهّر عقولكم من زيغ الوثنية، وأقامكم على سنن الفطرة، وهم يودّون نزول الشّر بكم، وانتهاء أمركم، وزوال دينكم.
وحسد الحاسد لا يمنع نعم الله، والله العليم القدير الحكيم يختص بالنّبوة والرحمة والخير من يشاء من عباده، لقوله تعالى في آية أخرى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام: 6/ 124] ويعلم من يؤدي واجبه بشأنها خير أداء، فلا ينبغي لأحد أن يحسد أحدا على خير أصابه، وفضل أوتيه من عند ربّه، فالله وحده صاحب الفضل العظيم.
قال المفسّرون في بيان سبب نزول هذه الآية: إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: هذا الذي تدعوننا إليه، ليس بخير مما نحن عليه، ولوددنا لو كان خيرا، فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم.