الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحسب أهوائهم، من وأد البنات، وشرب الخمور، وظلم الأيتام والنساء، وارتكاب الفواحش والمنكرات، وشنّ الحروب لأتفه الأسباب، وإثارة العداوة والبغضاء.
وهذا إنكار صريح وتنديد بالتقليد الأعمى والتّعصب الموروث من غير وعي ولا إدراك، وكأنهم يقولون بعد هذا التوبيخ: نعم لو كان آباؤنا كذلك، كما قال الله تعالى في آية أخرى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170)[البقرة: 2/ 170] .
أداء الواجب بالكلمة الطيبة
الإسلام دين الحق والصراحة في القول والعمل، وهو يريد الخير والسعادة للناس جميعا، فلا يكتفي من أتباعه الانطواء على النفس وإيثار العزلة، وإبقاء الآخرين يترددون في متاهات الخطأ والضّلال، وزيغ العقيدة والانحراف في الفكر والخلق والسلوك.
ولكن بعد محاولة التصحيح والتنبيه إلى الأخطاء الواقعة من الآخرين يظل المؤمن محتفظا بقيمه وعقيدته وأخلاقه، ولا يتشكك في شيء منها، ويلتزم شرعه بما فيه من أمر بالجهاد وقول بمعروف، ولا يضره ضلال غيره إذا اهتدى لأن كل إنسان مسئول عن نفسه، ولا يحتمل امرؤ تبعة أعمال امرئ آخر، فذلك هو العدل لأن المؤاخذة على فعل الآخرين جور وظلم.
قال الله تعالى:
[سورة المائدة (5) : آية 105]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
«1» [المائدة: 5/ 105] .
(1) الزموها وتجنّبوا المعاصي.
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال فيما أخرجه أحمد وغيره: ليس هذا بزمان هذه الآية، قولوا الحق ما قبل منكم، فإذا ردّ عليكم فعليكم أنفسكم.
والمعنى: يا أيها المؤمنون عليكم أنفسكم، كمّلوها بالعلم والعمل، وأصلحوها بالقرآن وآداب السّنة النّبوية، وانظروا فيما يقرّبها إلى الله تعالى، حتى تكون في رفقة الأنبياء والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، وبعد هذا لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم.
لا يضرّكم شيء إذا قمتم بواجب الإرشاد والنّصح، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكرات، فإن الله يقول: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: 6/ 164] . ثم إلى الله المرجع والمآب، وسيجازي كل إنسان على عمله، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ.
وجملة ما قرّره أهل العلم في هذا أن النّصح أو الأمر بالمعروف متعيّن إن رجي القبول، أو رجي ردّ المظالم، ما لم يخف المرء ضررا يلحقه في خاصته، أو فتنة يدخلها على المسلمين، فإذا خيف هذا، فعليكم أنفسكم بحكم واجب الوقوف عنده.
وقد فهم خطأ هذه الآية بعض الناس في عهد أبي بكر الصّدّيق، وتأوّلوها أنها لا يلزم معها أمر نصح وإرشاد بمعروف ولا نهي عن منكر،
فصعد أبو بكر المنبر فقال:
أيها الناس، لا تغتروا بقول الله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ فيقول أحدكم: علي نفسي، لقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام، فإن من ورائكم أياما: الصّابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهنّ أجر خمسين رجلا، يعملون كعملكم» ، وفي رواية: قيل: يا رسول الله، أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال:«بل أجر خمسين منكم»
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح.