الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبراهيم الكتاب والحكمة والنبوة، وآتاهم الله ملكا عظيما، ومن أسلافهم من آمن بما أعطي إبراهيم، ومنهم من كفر به وصدّ الناس عن رسالته، وكفى بجهنم التي تتوقد نيرانها، وتستعر وتلتهب بهم، وهذا وعيد شديد لكل من لا يؤمن بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن المجيد كتابا إلهيا، وبمشتملات القرآن من العقائد الصحيحة والآداب الفاضلة.
عقاب الكفار وثواب المؤمنين
لقد كان القرآن الكريم واضحا كل الوضوح في بيان المصير المرتقب لأهل الكفر والإيمان في عالم الآخرة، وهذا الإيضاح والتصريح القرآني دليل على أن الله تعالى يحب عباده، ويحب الخير لهم، حين رغّبهم في العمل الصالح الذي يسعدهم في الدنيا والآخرة، وحذّرهم ونفّرهم من كل عقيدة باطلة أو عمل فاسد يؤديان إلى الهلاك والخسران في الدنيا والآخرة، وقد تكررت الآيات القرآنية المصرحة بأن جزاء الكفر والكفار هو نار جهنم، وأن جزاء الإيمان والمؤمنين الظفر بجنان الخلد التي تجري من تحتها الأنهار، ورضوان لهم من الله أكبر.
قال الله تعالى:
[سورة النساء (4) : الآيات 56 الى 57]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (57)
«1» «2» «3» [النساء: 56- 57] .
هذه الآيات تشتمل على وعد ووعيد، بلفظ جلي لكل الناس، المؤمنين منهم
(1) ندخلهم نارا.
(2)
احترقت.
(3)
دائما، لا حر فيه ولا برد.
والكفار، في كل زمان ومكان. أما الوعيد فهو للكفار، فالذين كفروا بآيات الله المنزلة على أنبيائه، وبخاصة القرآن الذي هو خاتم الكتب الإلهية وأكملها وأبينها، سوف يحرقون بنار جهنم، وهذا العذاب أو العقاب والنكال دائم لا ينقطع ولا يفتر، وكلما نضجت جلودهم بالحرق، أي احترقت وتلاشت، ولم تعد صالحة للإحساس بالألم، بدلهم الله بجلود أخرى حية تشعر بالألم، وتحس بالعذاب،
جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تبدّل جلودهم كل يوم سبع مرات» .
ثم أكد الله تعالى علة العقاب، وبيّن مدى القدرة التامة عليه، فذكر سبحانه أنه عزيز، أي قادر قوي قاهر لا يغلب، ولا يمتنع عليه شيء، مما يريده بالمجرمين، حكيم لا يعذب إلا بحق وعدل، ولا يعاقب إلا على وفق الحكمة السديدة، ومن مقتضيات العدل: أن الكفر والمعاصي سبب للعذاب والعقاب، وأن الإيمان والعمل الصالح سبب للنعيم والجنة، فلكل عمل ما يناسبه، لذا قرن الله في هذه الآيات وغيرها بين ثواب المؤمن وجزاء الكافر، لإظهار الفرق بينهما، والجمع بين الترغيب والترهيب كالشأن العام في الآيات القرآنية. وهذه سنة حميدة، للمقارنة أو الموازنة، وفي هاتين الآيتين، لما ذكر الله وعيد الكفار، عقّب بوعد المؤمنين بالجنة على الإيمان والأعمال الصالحة. فالذين آمنوا بالله ورسله وقرآنه، وعملوا صالح الأعمال التي أمر الله بها، سيدخلهم ربهم سريعا جنات تجري من تحت غرفها وبساتينها الأنهار العذبة، يتمتعون فيها بالنعيم الدائم، وهم خالدون فيها أبدا لا يحوّلون ولا يزولون، ولا يرغبون بديلا عنها، فلا ملل ولا سأم ولا ضجر، جزاء مطابقا لعملهم الصالح، إذ لا يكفي الإيمان وحده بغير العمل الصالح.
ولهؤلاء المؤمنين الصادقين في إيمانهم زوجات بريئات من العيوب الجسدية، والخلقية أو الطباع الردية، فليس فيهن ما يعكر المزاج، أو يكدر الصفو، وهم يعيشون على الدوام في مكان ممتع ظليل، لا حرّ فيه ولا برد، وتلك نعمة كاملة،