الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورفاهية تامة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صفة ظل الجنة وامتداده،
فقال فيما أخرجه ابن جرير الطبري عن أبي هريرة: «إن في الجنة شجرة، يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة ما يقطعها»
قال ابن كثير في معنى الظل الظليل: أي ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا.
وهذا الجزاء الطيب لأهل الإيمان من فضل الله ورحمته وإحسانه وجوده، إذ لا يدخل أحد الجنة بمجرد عمله، لأن عمله قليل بجانب فضل الله ونعمه، وإنما يدخل برحمة الله وإكرامه.
المنهاج العام للمسلمين
نظم الإسلام الحقوق الخاصة والحقوق العامة والدستورية، وقيد الأمة بقيود من أجل ضبط النظام وصون الحريات، وحفظ الأموال، وإعلاء كرامة الإنسان، ومن أهم هذه القيود النظامية: أداء الأمانات والحقوق المالية إلى أصحابها، وإصدار الحكم بالعدل والحق، وإطاعة الله والرسول فيما شرع وأمر، وإطاعة ولاة الأمور من العلماء والحكام في قضايا الدين وسياسة الدنيا.
قال الله تعالى:
[سورة النساء (4) : الآيات 58 الى 59]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)
«1» «2» «3» [النساء: 4/ 58- 59] .
نزلت الآية الأولى في أداء الأمانات في عثمان بن طلحة بن عبد الدار، الذي كان
(1) حقوق الله وحقوق العباد.
(2)
نعم الذي يعظكم به وهو ما ذكر.
(3)
أجمل عاقبة.
سادن الكعبة، فحينما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، أغلق عثمان باب الكعبة، وصعد إلى السطح، وأبى أن يدفع المفتاح إليه، وقال: لو علمت أنك رسول الله لم أمنعك، فأخذه علي بن أبي طالب بالقوة، وفتح الباب، ودخل رسول الله، وصلى ركعتين في الكعبة، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح، ويجمع له السقاية والسدانة، أي خدمة الكعبة، فنزلت الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها.. فأمر النبي عليا أن يرد مفتاح الكعبة إلى عثمان، ويعتذر إليه.
ورد الأمانات لا يقتصر على هذه الحالة، لأن الأمر بذلك عام لكل مسلم في كل أمانة في ذمته، سواء أكانت عامة للأمة، أم خاصة لشخص معين، والأمانة ورعايتها مطلوبة في كل شيء، في النفس، ومال الآخرين، ورد الودائع، وترك الغش في المعاملات، والجهاد والنصيحة، وعدم إفشاء أسرار الناس وعيوبهم، والأمانة في الدين بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه. والأمانة في النفس: بألا يفعل الإنسان إلا ما ينفعه في الدين والدنيا والآخرة، وألا يقدم على عمل يضره في آخرته أو دنياه، ويتوقى أسباب المرض، ويعمل بالقواعد الصحية، ولا يعرض نفسه للهلاك، لقوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 2/ 195]
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: «إن لنفسك عليك حقا» .
وكما أن أداء الأمانات واجب، العدل في القضاء والحكم بين الناس واجب أيضا، حتى يتحقق التناصف، ويأخذ الضعيف أو المظلوم حقه، ولا يبغي القوي على الضعيف، ويسود الأمن والاستقرار والنظام، ونعم الشيء الذي يعظ الله به من أداء الأمانات والحكم بالعدل، والله سميع لكل شيء، بصير بالمرئيات، ويحاسب الناس ويجازيهم على أعمالهم، والتعقيب على أداء الأمانات والعدل بالسمع والبصر أمر حسن، يدفع الإنسان المأمور لفعل ما أمر به.