الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان، ختم الله على القلوب وسد منافذ الخير إليها، واستحق المعاندون التوبيخ، ومنع النبي أو المصلح وأعوانه من الاستغفار لهم، لذا ونهى الله نبيه من الاستغفار للمشركين ولو كانوا أقرباء، حال اليأس من إيمانهم، وتحجر قلوبهم وعقولهم، قال الله تعالى مبينا هذا النهي:
[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 116]
ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116)
«1» [التوبة: 9/ 113- 116] .
روى الترمذي والحاكم عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه، وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك، وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه، وهو مشرك، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
…
وقال ابن عباس وقتادة وغيرهما: إنما نزلت الآية بسبب جماعة من المؤمنين قالوا: نستغفر لموتانا كما استغفر إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأبيه، فنزلت الآية في ذلك.
وعلى كل حال، ففي ورود النهي عن الاستغفار للمشركين موضع الاعتراض بقصة إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه، فنزل رفع الاعتراض في الآية التي بعدها.
والمعنى: ما ينبغي ولا يصح للنبي والمؤمنين أن يدعوا الله بالمغفرة للمشركين، وهذا خبر بمعنى النهي، لأن النبوة والإيمان مانعان من الاستغفار للمشركين،
(1) كثير التأوه خوفا من الله.
وسبب المنع اليأس من إيمانهم وتبين أنهم من أصحاب الجحيم، أي ظهر لهم بالدليل أنهم من أصحاب النار؟! بأن ماتوا على الكفر، وفي هذا لا تفرقة بين الأقارب والأباعد، فكيف يصح لهم طلب المغفرة لأناس من بعد الموت على الكفر، والمعرفة بأنهم من سكان النار، والاستغفار للمشرك الحي جائز إذ يرجى إسلامه. وكذلك لا تجوز الصلاة على المشركين ولا تنفعهم بعد الموت على الشرك.
أما موضوع استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك آزر، فكان بسبب صدور وعد سابق به قبل المنع منه، فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو لله، بسبب موته على الكفر، تبرأ منه وتركه وقطع استغفاره له، إن إبراهيم لأوّاه، أي لكثير التأوه والتحسر والتفجع، أو كثير التضرع والدعاء، حليم، أي صبور على الأذى، محتمل للضرر، عظيم العقل.
ثم رفع الله المؤاخذة عن الذين استغفروا للمشركين قبل نزول آية المنع هذه، وبيّن أنه تعالى لا يؤاخذهم بعمل، إلا بعد أن يبين لهم أنه يجب عليهم أن يتقوه ويحترزوا عنه، فقال: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ.. أي ما كان من سنة الله في خلقه ولا في رحمته وحكمته أن يصف قوما بالضلال، أو يؤاخذهم مؤاخذة الضالين، بعد أن هداهم للإيمان أو الإسلام، حتى يبين لهم ما يجب عليهم اتقاؤه من الأقوال والأفعال، وما كان الله بعد أن هدى للإسلام وأنقذ من النار، ليحبط ذلك ويضل أهله لارتكابهم ذنبا لم يتقدم منه نهي عنه، فأما إذا بيّن لهم ما يتقون من الأمور، ويتجنبون من الأشياء، فحينئذ من ارتكب ذنبا بعد النهي عنه، استوجب العقوبة. إن الله تعالى عليم بكل شيء وبأحوال الناس وحاجتهم إلى البيان. وفي هذا دلالة واضحة على أن لا مؤاخذة ولا عقاب إلا بعد إنذار وبيان.
وبعد أن أمر الله تعالى بالبراءة من الكفار، بيّن أن النصر لا يكون إلا من عند