الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنهم إذا أنفقوا المال في سبيل الشيطان والهوى والفساد، ورجوا منه الثواب والنفع، فهم لن يجدوا في الآخرة إذا قدموها إلا الحسرة والندامة، ومثلهم مثل من زرع زرعا، وتوقع منه خيرا ونفعا، فأصابته ريح، فأحرقته، فوقف مبهوتا حائرا، إن الله يتقبل من المؤمنين المتقين، ويثيب المخلصين، وما ظلم الله الكافرين، بل جازاهم وكافأهم على عملهم الشر بالشر، وكانوا هم الظالمين لأنفسهم.
إن الانحراف عن هدي الله وضلال الاعتقاد أساس بلاء الإنسان في الآخرة، وهو أيضا سبب ضياع ثمرة الأعمال الصالحة التي عملها الشخص على أرضية غير مؤمنة، ويكون مصيره الخزي والذل والندامة والزج به في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.
اتخاذ بعض الأعداء مستشارين
يحرص القرآن الكريم على تماسك الأمة وتناصحها، ويحذرها من التعثر ومداخل الشر والسوء، ويحميها من استشارة المشبوهين والمعادين، ومن اتخاذ فئة من الأعداء في مواطن السر والاطلاع على دخائل الأمور وأسرار الدولة والولاة والحكام، لذا قال الله تعالى:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 118 الى 120]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
«1» «2» «3» «4» «5»
(1) بطانة الرجل: خاصته وأهل مشورته وأمناء سره.
(2)
أي لا يقصرون في إيصال الخبال: وهو الشر والفساد إليكم.
(3)
أي تمنوا إيقاعكم في العنت، أي المشقة والحرج.
(4)
انفردوا.
(5)
أشد الغضب. [.....]
[آل عمران: 3/ 118- 120] .
قال ابن عباس ومجاهد: نزلت هذه الآيات في قوم من المؤمنين، كانوا يصافون المنافقين، ويواصلون رجالا من اليهود، لما كان بينهم من القرابة والصداقة، والحلف والجوار والرضاع، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، ينهاهم عن مباطنتهم، خوف الفتنة منهم عليهم.
ينهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآيات عن أن يتخذوا من الأعداء أخلاء وأمناء، يأنسون بهم في الباطن من أمورهم، ويفاوضونهم في الآراء، ويطمئنون إلى آرائهم ونصائحهم. فإياكم أيها المؤمنون من اتخاذ فئة من غيركم أمناء أسراركم، تطلعونهم على أموركم، وتودونهم، فهم لا يقصرون في إيصال الفساد والشر لكم، ويحرصون على إيقاع الضرر بكم، ويؤيد هذا المعنى
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من خليفة ولا ذي إمرة إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم: من عصم الله» «1» .
هؤلاء الأعداء يتمنون كل شر ومشقة لكم، فإن لم يستطيعوا حربكم وإيذاءكم ودوا من صميم قلوبهم كل فساد وألم وسوء بكم.
ألم تظهر البغضاء لكم والحسد عليكم من فلتات ألسنتهم، وما تخفي صدورهم:
من الحسد وإرادة الشر أكبر وأكثر، قد بينا لكم أيها المؤمنون العقلاء الآيات والعبر التي ترشدكم إلى الخير وتحذركم من الشر، وهذا تحذير خطير وتنبيه شديد يهز النفوس، لتحذر من منافقي اليهود التي نزلت هذه الآيات فيهم لا في منافقي العرب.
إنكم أيها المؤمنون مخطئون في حبهم وإحسان الظن بهم، فهم لا يحبونكم مع أنكم
(1) أخرجه البخاري والنسائي وغيرهما عن أبي سعيد الخدري.