الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وموافقا لما تقدمه من الكتب، كالتوراة والإنجيل وغيرهما التي تدعوا إلى توحيد الله وأصول الأخلاق والعبادات، وهداية من الضلالة، وبشرى لمن آمن به بالجنة، فكيف يكون طريق الخير سببا للبغض والكراهية؟
أخرج الترمذي أن اليهود قالوا للنّبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليس نبي من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربّه بالرّسالة والوحي، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال:
جبريل، قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال، ذاك عدوّنا! لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك، فأنزل الله الآية، إلى قوله: لِلْكافِرِينَ.
من كان عدوّا لله بمخالفة أوامره، وعدم إطاعته، وللملائكة بكراهة العمل بما ينزلون به من وحي، وعدوّا للرّسل الكرام بتكذيبهم في رسالاتهم، وعدوّا لجبريل وميكائيل، بادّعاء أن جبريل يأتي بالإنذارات، فإن الله عدوّ لكل كافر، ومجازيه.
كفر اليهود بالقرآن ونقضهم العهد واشتغالهم بالسّحر
من عادات اليهود واعتقاداتهم، بالإضافة لما سبق، التكذيب بآيات الله ومنها القرآن الكريم، وترك الوفاء بالعهود أو المعاهدات، وتكذيب الرّسل، والإعراض عن القرآن، كما أنهم يشتغلون بالسّحر والشّعوذة والطّلاسم، مما يدل على تجاوز الدين الحق والمبادئ الصحيحة، وهذا ما أثبته القرآن الكريم في الآيات التالية:
[سورة البقرة (2) : الآيات 99 الى 103]
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَاّ الْفاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103)
«1»
(1) طرحه ونقضه. [.....]
«1» «2» «3» [البقرة: 2/ 99- 103] .
تالله لقد أنزلنا إليك أيها الرسول آيات ودلائل واضحات تدلّ على صدق رسالتك، ولا يكفر بها إلا المتمرّدون على آياتها وأحكامها من الفسقة المتجاوزين الحدود، والذين استحبّوا العمى على الهدى، حسدا وعنادا ومكابرة.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن عبد الله بن صوريا قال للنّبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل الله عليك من آية بيّنة، فأنزل الله في ذلك:
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ.
إنهم كفروا بالله، وكلما عاهدوا عهدا مع الله، أو مع رسول الله، نقضه فريق منهم، بل نقضه أكثرهم ولم يوفوا به، وأكثرهم لا يؤمنون بالتوراة، وليسوا من الدين في شيء، ولن يؤمنوا بالقرآن ونبي الإسلام.
وسبب نزول هذه الآية: أن مالك بن الصيف حين بعث رسول الله، وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق، وما عهد إليهم في محمد قال: والله ما عهد إلينا في محمد، ولا أخذ علينا ميثاقا، فأنزل الله تعالى: أَوَكُلَّما عاهَدُوا.. الآية.
(1) تقرأ أو تكذب.
(2)
اختبار وابتلاء.
(3)
نصيب من الخير.
ولما جاءهم النّبي صلى الله عليه وسلم بكتاب مصدق ومؤيد للتوراة في أصول الدين العامة، كتوحيد الله، وإثبات البعث، والتصديق بالوحي والرّسل، ترك فريق من اليهود كتاب الله وراء ظهورهم، وهو تمثيل لتركهم وإعراضهم عنه، ولم يؤمنوا به بحق، كأنهم لا يعلمون أن من لم يؤمن بالقرآن الموافق للتوراة لا يكون مؤمنا بكل منهما.
واتبع فريق من أحبار اليهود وعلمائهم الذين نبذوا التوراة، السّحر والشّعوذة في زمن ملك سليمان، لأن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، ويضمون إليه أكاذيب، ثم يلقنونها الكهنة، فيعلّمونها الناس، ويقولون: هذا علم سليمان، وقام ملك سليمان بهذا. فردّ الله تعالى عليهم بأن سليمان ما فعل ذلك، وما عمل سليمان بالسّحر، ولكن الشياطين هم الذين كفروا باتّباع السّحر وتدوينه وتعليمه الناس على وجه الإضرار والإغواء، ونسبته إلى سليمان على وجه الكذب وجحد نبوته.
قال ابن إسحاق: قال بعض أحبار اليهود: ألا تعجبون من محمد، يزعم أن سليمان كان نبيّا، والله ما كان إلا ساحرا، فأنزل الله: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ.
ويعلمونهم ما أنزل على الملكين ببلدة بابل (في العراق في أرض الكوفة) والملكان:
بشران صالحان قانتان، صاحبا هيبة ووقار يجلّهما الناس وشبّهوهما بالملائكة، وهما هاروت وماروت.
وكان هذان الرجلان الملكان يعلّمان الناس السّحر الذي كثرت فنونه الغريبة في عصرهم، وكانت معرفتهم بالسّحر بالإلهام دون معلم، وهو المقصود بالإنزال، وما ألهموا به كان من جنس السّحر، لا عينه.
وكان هذان الملكان يتبعان في تعليم السّحر طريق الإنذار والتحذير، فلا يعلّمان أحدا من الناس، حتى يقولا له: إنما نحن ابتلاء واختبار من الله، فلا تعمل بالسّحر وإلا كنت كافرا، وذلك حفاظا على حسن اعتقاد الناس فيهما.
ويتعلم الناس منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه، وليس للسحر ونحوه من الحسد والعين والمرض المعدي ضرر بذاته، إلا بإذن الله ومراده، وذلك على وفق قانون السببية، أي إنه مجرد وسيلة أو سبب قد يرتبط المسبب أو النتيجة به، ويتحقق الأذى، إذا شاء الله، فالله هو الذي يوجد المسببات، حين حصول الأسباب، وقد لا تتحقق النتائج بمراد الله تعالى. قال الحسن البصري: من شاء الله منعه، فلا يضرّه السّحر، ومن شاء خلّى بينه وبينه فضرّه.
ومن تعلم السّحر وعمل به، فإنه يتعلم ما يضرّه ولا ينفعه، لأنه سبب في إضرار الناس، ولأنه قصد الشّر، فيكرهه الناس لإيذائه، ويعاقبه الله في الآخرة لإضرار غيره، وإفساده المصالح.
وتالله لقد علم اليهود بأنّ من ترك كتاب الله، وأهمل أصول الدين وأحكام الشريعة التي تسعد في الدارين، واستبدل به كتب السّحر، ليس له في الآخرة إلا العذاب، وكأن هذه عملية بيع الآخرة بالدنيا، وليس له في الآخرة من نصيب من الخير.
ولبئس ما باعوا به أنفسهم باتخاذ السّحر محل التوراة، فهم جهلة لا يعلمون حرمة السّحر علما صحيحا.
ولو أن اليهود آمنوا الإيمان الحق بالتوراة، وفيها البشارة بنبي آخر الزمان، وآمنوا بالقرآن، وتركوا كتب السّحر والشّعوذة، واتّقوا الله بالمحافظة على أوامره واجتناب نواهيه، لاستحقّوا الثواب العظيم من عند الله، جزاء على أعمالهم الصالحة، وهو خير لهم لو كانوا يعلمون العلم الصحيح النافع.