الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي محمد صلى الله عليه وسلم خبر الميثاق: وهو العهد المؤكد الذي أخذه الله على أهل الكتاب بوساطة الأنبياء، وأقسم عليها ليبينن الكتاب الإلهي للناس ويظهرونه ولا يحرفونه عن موضعه حتى يفهم الناس ويعملوا بما جاء فيه. ولكن نبذ أهل الكتاب هذا الميثاق وراء ظهورهم، وبدلوا به ثمنا قليلا من حطام الدنيا الفانية كالرياسة والمال الزائل، فكانوا في هذه الصفقة مغبونين، حيث جعلوا العرض الفاني بدل النعيم الباقي في الآخرة، فبئس الشراء شراؤهم، وبئست هذه المبادلة،
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وغيره عن أبي هريرة: «من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار» .
وإذا أخبر العالم الديني بحكم شرعي فعليه أن يكون أمينا في نقله حاذقا في فهمه، فلا يحرّفه ولا يبدله، ولا يبتر منه شيئا، ولا يدلّس ويعمّي الأمور ويغطّي الحقائق، ولا يطلب الثناء على ما فعل من بيان الخبر المشوه أو الحكم المبدل، وهو في هذا كاذب دجّال، قال الله تعالى عقب الآية السابقة:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 188 الى 189]
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)
«1» [آل عمران: 3/ 188- 189] .
وسبب نزول هذه الآية كما
روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري: أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو، تخلفوا عنه، فإذا قدم اعتذروا إليه، وقالوا: كانت لنا أشغال ونحو هذا، فيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم القبول ويستغفر لهم، ففضحهم الله تعالى بهذه الآية،
فكانوا يفرحون بما يأتونه ويفعلونه من التخلف والاعتذار، ويحبون أن يقال لهم: إنهم في حكم المجاهدين، لكن العذر حبسهم، أي منعهم عن الجهاد.
(1) بفوز ونجاة.
وقال جماعة كثيرة من المفسرين: إنما نزلت الآية في أهل الكتاب أحبار اليهود، لقول ابن عباس: إن الآية نزلت في قوم سألهم النبي عليه السلام عن شيء، فكتموه الحق، وقالوا له غير ذلك، ففرحوا بما فعلوا، وأحبوا أن يحمدوا بما أجابوا، وظنوا أن ذلك قد قنع به واعتقد صحته.
لقد كان هؤلاء من أهل الكتاب يفرحون بما أتوا من التأويل والتحريف للكتاب، ويرون لأنفسهم شرفا فيه وفضلا بأنهم قادة وأئمة يهتدى بهم، وهذا فرح في غير محله وتضليل وقلب للحقائق، وكانوا يحبون أن يحمدوا بأنهم حفاظ الكتاب وعلماؤه، وهم لم يفعلوا شيئا من ذلك، لذا أخبر القرآن الكريم أنهم معذبون في الآخرة، وعذابهم شديد مؤلم جدا.
فما على العلماء إلا أن يبينوا للناس حقيقة الكتاب الإلهي، وحكم الشرع الصحيح، فإن فعلوا الواجب وأخبروا بالحق، يكفهم الله تعالى ما أهمهم وينصرهم على أعدائهم، ويغنهم عن هذه المسالك المشبوهة التي لا تليق بمراكزهم، فهم قدوة الناس، ومحل التقدير والاحترام، والله الذي يكفيهم ما أهمهم هو مالك السماوات والأرض، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع وهو على كل شيء قدير، قادر على نصر من نصر دينه وشرعه، وهلاك من ضيّع دينه وشرعه.
بان لك أن واجب العلماء مقدس، وهو تبيين الدين والتعريف بحقيقته لغير المؤمنين بأسلوب واضح سهل، وفهم لروح التشريع، حتى يهتدوا به، وتبيين الدين أيضا للمسلمين حتى يهتدوا به ويفهموه على حقيقته، دون بتر ولا تشوية، ودون إخلال وتجهيل، وبصراحة وإخلاص.