الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيئا ذا موضوع مهم، أما الوحي فذو حقيقة موضوعية لا يمكن إنكارها أو التّحكّم فيها، وإنما تحدث من قبل الله تعالى بوساطة جبريل عليه السلام، أو بغيره كالرؤيا الصادقة في النوم، وإتيان الملك بصورة بشر مألوف. قال الله تعالى مبيّنا هذه الظاهرة:
[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 92]
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92)
«1» «2» «3» «4» «5» [الأنعام: 6/ 91- 92] .
ذكر ابن أبي حاتم وغيره عن سعيد بن جبير- في بيان سبب نزول هاتين الآيتين- قال: جاء رجل من اليهود يقال له: مالك بن الصيف، فخاصم النّبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النّبي:«أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السّمين؟» وكان حبرا سمينا، فغضب، وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه: ويحك، ولا على موسى، فأنزل الله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ..
الآية.
الله سبحانه هو القادر على كل شيء، والعالم بكل شيء، والرّحيم بخلقه، فأرسل الرّسل، وأنزل الكتب، وأوحى إلى الأنبياء شرائعه لهداية الناس وإرشادهم، أما منكرو الوحي الذين يكفرون برسل الله من الوثنيين والملاحدة فما عرفوا الله حقّ معرفته، وما عظّموه حقّ تعظيمه، إذ كذبوا رسله إليهم، وقالوا: ما أنزل الله كتابا من السّماء.
(1) ما عظّموه ولا عرفوه.
(2)
أوراقا مكتوبة. [.....]
(3)
باطلهم.
(4)
كثير المنافع.
(5)
أهل مكة.
والرّد على هؤلاء المنكرين للوحي بأمر مشهور لهم، لم يكذّبه العرب قاطبة، وهو ما أمر الله به نبيّه محمدا أن يقول لهم: من أنزل كتاب التّوراة على موسى بن عمران؟
وأنتم تعترفون بالتوراة إذ قلتم:
لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ [الأنعام:
6/ 157] . والتوراة نور للمؤمنين، وهداية للمسترشدين، وأنتم يا بني إسرائيل تجعلون التوراة قراطيس، أي قطعا تكتبونها من الكتاب الأصلي الذي بأيديكم، وتحرّفون منها ما تحرّفون، وتبدّلون منها ما تبدّلون، وتقولون: هذا من عند الله، أي في كتابه المنزل، وما هو من عند الله. وأنتم أيضا تخفون دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة به وبعض الأحكام التشريعية كحكم الزّنى، فيجدر بكم أيها المشركون ألا تثقوا بأقوال المعادين للنّبي صلى الله عليه وسلم عداء شديدا بقصد إبطال رسالته.
ويا معشر العرب علّمتم من الهدايات والتوحيد والإرشاد إلى الحق ما لم تكونوا عالمين به ولا آباؤكم، وقد أصبح للعرب بالإسلام مجد وعزّة ودولة، بعد أن كانوا قبائل شتى، وفي جهالة عمياء.
ثم أمر الله تعالى نبيّه بالمبادرة إلى موضع الحجة والرّد الحاسم، فقل لهم: الله تعالى هو الذي أنزل الكتاب على موسى، وأنزل علي هذا الكتاب وهو القرآن، ثم أمره تبارك وتعالى بترك من كفر وأعرض بقوله: ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ أي ثم دعهم واتركهم في جهلهم وضلالهم يلعبون، حتى يأتيهم الموت الذي يطوي صحيفة هؤلاء المعاندين المكابرين. ومعنى الخوض: الذهاب فيما لا تعرف حقائقه.
ثم أبان الله تعالى أوصاف القرآن بأنه كتاب كثير البركة والخير، أنزله الله مؤيّدا لما تقدمه من الكتب، ومهيمنا عليها، يبشّر بالجنّة والثواب والمغفرة من أطاع الله، وينذر بالنار والعقاب من عصى الله، ويخوّف أهل مكة: أمّ القرى ومركز قطب الدائرة في العالم، ومن حولها من سائر الناس، من أحياء العرب ومن سائر طوائف