الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنهم فسقوا عن أمر الله ونقضوا ميثاقه، فعاقبهم الله على سوء أعمالهم، وسلط عليهم من الظالمين من يسومهم سوء العذاب، هؤلاء هم الأسلاف، وخلف من بعدهم أخلاف يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، يحرفون الكلم عن مواضعه، ونسوا حظا مما ذكّروا به، ويتساهلون في أمر الدين، ويخرجون عن الصراط المستقيم، وكل هذه الأمثلة والقصص للعظة والعبرة، ليتأمل بها كل جيل وكل جماعة وكل فرد، فمن امتثل أمر الله نجا وفاز، وسعد واطمأن. ومن تنكر لأمر الله خسر وهلك، وعاش قلقا حيران، مضطرب النفس، يعيش في صراع مع الأحداث، ولا يهنأ له قلب، ولا يرتاح له فكر أو عقل.
حيلة اصطياد الأسماك يوم السبت
يخطئ كثير من الناس أنهم يظنون بذكائهم التحايل على أحكام الدين أو أن الله تعالى لا يعلم بمكرهم وحيلهم ودخائل نفوسهم، وهذا لون من الغباء أو الحماقة، لأن أحكام الشرع قويمة واضحة لا التواء فيها. والله تعالى السر وأخفى، وهو سبحانه أدرى بكل صغيرة وكبيرة، فينبغي إدراك هذا إدراكا واضحا صريحا، والعمل على التزام جانب الصراحة، قال الله تعالى:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166]
وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166)
«1» »
«3» «4» «5» «6»
(1) قريبة من البحر.
(2)
يعتدون بالصيد المحرّم فيه.
(3)
ظاهرة طافية على الماء. [.....]
(4)
في غير يوم السبت.
(5)
نختبرهم بالشدة.
(6)
نذكرهم بالموعظة اعتذارا إلى الله.
«1» «2» «3» [الأعراف: 7/ 163- 166] .
هذه حيلة أخرى لقوم موسى، فبعد أن ذكروا عبارة تهكمية عند دخولهم القرية، احتالوا على صيد السمك الذي كان يأتي يوم السبت الذي حرّم عليهم العمل فيه وأمروا بتعظيمه، حتى لا يرى الماء من كثرته، وفي غير يوم السبت لا تأتيهم الأسماك في قرية مدين أو أيلة، فلم يصبروا على ذلك، واتخذوا أحواضا على الشاطئ يوم الجمعة تقف فيها الأسماك الآتية بالمد البحري، ولا تستطيع العودة إلى الماء في عملية الجزر، فصار أهل القرية أثلاثا: ثلث نهوا عن هذه الحيلة، وثلث قالوا: لم تعظون قوما الله مهلكهم، وثلث هم أصحاب الخطيئة.
والمراد بالآية توبيخ وتقريع أهل هذه القرية على أعمالهم، وحملهم على الإقرار بخطئهم، وبيان أن العناد والعصيان شيء موروث في أتباع موسى، الحاضر يقر عمل الماضي ويرضى به.
والمعنى: واسأل يا محمد جماعة اليهود في عصرك عن قصة أصحاب تلك القرية البحرية على شاطئ البحر الأحمر، كانت حاضرة البحر أي المتحضرة بين مدن البحر أو القريبة من البحر وكان البحر فيها حاضرا، حين اعتدوا وتجاوزوا حدود الله يوم السبت الذي أمروا بتعظيمه وترك العمل فيه وتخصيصه للعبادة، ولكن الأسماك كانت تأتيهم كثيرا ظاهرة على سطح الماء في هذا اليوم، ويمكن صيدها بسهولة، وفي غير أيام السبت تختفي الأسماك ولا تظهر، فاحتالوا على صيدها بإقامة الأحواض على الشاطئ حيث يأتي المد بالسمك، ثم إذا انحسر الماء بعملية الجزر، تبقى الأسماك في الأحواض، فيأخذونها يوم الأحد.
(1) شديد.
(2)
استكبروا.
(3)
أذلاء مبعدين.
مثل ذلك الابتلاء بظهور السمك يوم السبت المحرم عليهم صيده، وإخفائه عنهم في بقية الأيام التي يحل لهم صيده فيها، نبلو، أي نختبر السابقين والمعاصرين، ليجازى كل واحد على عمله، بسبب فسقهم المستمر وخروجهم عن طاعة الله.
وحين ظهرت هذه المعصية، انقسم أهل تلك القرية أثلاثا ببين مؤيد ومعارض واعظ، ومحايد قائل لهم: لم تعظون قوما قضى الله بإهلاكهم وإفنائهم وعقابهم في الدنيا والآخرة.
فأجابهم الواعظون: نعظهم لنبرئ أنفسنا من السكوت عن المنكر، ونعتذر إلى ربنا بأننا أدّينا واجبنا في الإنكار عليهم، ونحن لا نيأس من صلاحهم وامتثالهم للحق، ولعلهم بهذا الإنكار عليهم يتقون ما هم فيه ويتركونه، ويتوبون إلى الله تعالى.
فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة، أنجينا الناهين عن السوء، وهم فريق الواعظين وفريق اللائمين، وعذبنا الظالمين الذين ارتكبوا المعصية بعذاب شديد، بسبب فسقهم وعقوبة عليهم. وذلك العذاب أنهم لما عتوا، أي تمردوا وتكبروا عن ترك ما نهوا عنه، وأبوا سماع نصيحة الواعظين، جعلهم الله قردة صاغرين أذلاء منبوذين مبعدين عن الناس، هذا عذاب الدنيا، ولعذاب الآخر أشد وأبقى، والعتو: الاستعصاء وقلة الطواعية.
والذي رآه أكثر المفسرين أنهم مسخوا قردة على الحقيقة، روي أن الشباب منهم مسخوا قردة، والرجال الكبار مسخوا خنازير، لمخالفتهم الأوامر وتماديهم في العصيان، لا لمجرد اصطياد الأسماك. وقال مجاهد: أصبحوا كالقردة في سوء الطباع والطيش والشر والإفساد، بسبب جناياتهم.
وعلى أية حال، إن جزاء مخالفة أوامر الله شديد في الدنيا والآخرة، وهو جزاء