الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة التوبة (9) : الآيات 90 الى 92]
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92)
«1» «2» «3» [التوبة: 9/ 90- 92] .
تضمنت الآيات الكريمة الكلام عن أربع فئات من الناس: وهم المعتذرون بحق من الأعراب، والمنافقون، والمعاقون العاجزون بالفعل، والبكاؤون. أما المعتذرون بأعذار هي حق من الأعراب البدو فهم قوم مؤمنون غير كافرين وهو رأي ابن عباس بدليل أن التقسيم في الآية يقتضي ذلك، وأنه ذكر بعدهم فريق القاعدين المكذبين، فلو كان الجميع كفارا، لم يكن لوصف الذين قعدوا بالكذب اختصاص، وتعرض الكل للعذاب الأليم، هؤلاء المعتذرون بعذر مقبول: هم كما
قال الضحاك: رهط عامر بن الطفيل أو نفر من بني غفار، جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنا إن غزونا معك، أغارت أعراب طيّ على أهالينا ومواشينا، فقال صلى الله عليه وسلم: سيغنيني الله عنكم. جاء هؤلاء المعتذرون الأعراب بهذا العذر يطلبون الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن غزوة تبوك، فقال لهم:«قد أنبأني الله من أخباركم، وسيغنيني الله عنكم» .
وهؤلاء صادقون غير مذمومين ولا محمودين كما يظهر من الآية.
والصنف الثاني: هم الذين قعدوا عن الجهاد، الذين كذبوا الله ورسوله بادّعائهم الإيمان، وهم منافقو الأعراب الذين جاؤوا ولم يعتذروا، وظهر بذلك أنهم كاذبون، هؤلاء توعدهم الله بالعذاب المؤلم في نار جهنم لأنهم قوم كافرون غير مؤمنين.
(1) المعتذرون بالأعذار الكاذبة.
(2)
إثم.
(3)
تمتلى بالدمع.
والصنف الثالث: هم أصحاب الأعذار الحقيقية القاهرة بسبب عجزهم وضعفهم أو مرضهم أو عماهم وعرجهم، أو افتقادهم نفقة الجهاد، وهؤلاء لا إثم ولا ذنب عليهم في تركهم الجهاد إذا نصحوا لله ورسوله بنياتهم وأقوالهم سرا وجهرا، بأن أخلصوا الإيمان بالله، وأطاعوا الرسول في السر والعلن، وعرفوا الحق وأحبوا أولياءه وأبغضوا أعداءه، وحافظوا على مصلحة الأمة العليا من كتمان السر، وعدم ترويج الإشاعات الكاذبة أو المغرضة، فما على المحسنين من سبيل، أي ليس عليهم جناح ولا مؤاخذة، ولا مجال لعتابهم، ولا إثم عليهم لقعودهم عن الجهاد، والله غفور: كثير المغفرة لهم ولأمثالهم، رحيم بهم، فلا يكلفهم ما لا طاقة لهم به. أما العصاة والمنافقون فلا يغفر الله لهم إلا إذا تابوا وأقلعوا عن العصيان والنفاق الذي كان سببا في الإثم.
وترك التكليف بالجهاد عن أصحاب الأعذار بسبب ضعف البدن أو المرض أو الزمانة أو عدم النفقة تقرّر في آية أخرى هي قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ «1» .. [النور: 24/ 61] .
وروى أبو داود عن أنس ابن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم سيرا، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: حبسهم العذر» .
والصنف الرابع والأخير: هم كما ذكر ابن إسحاق في سياق غزوة تبوك جماعة البكّائين، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف أو هم ستة أو سبعة إخوة من بني مقرّن، وهو رأي جمهور المفسرين، جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ليحملهم، أي يعدّ لهم وسائل الركوب، فلم يجد ما يحملهم عليه، فتولوا
(1) أي إثم.