الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الآيات 26 و27 و28 من سورة النساء فهي قوله تعالى:
[سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28)
«1» [النساء: 4/ 26- 28] .
بعد أن ذكر الله تعالى الأحكام المتعلقة بالبيوت والنساء والزواج حلاله وحرامه، ذكر الحكمة من تشريع تلك الأحكام.
وأول هذه الحكم التشريعية: أن الله يريد أن يبين لنا ما خفي عنا، ويرشدنا إلى ما فيه مصلحتنا، ويهدينا مناهج أو طرق من كان قبلنا من الأنبياء والصالحين، وطرقهم: هي التي سلكوها في دينهم ودنياهم، وأن دينهم الذي ارتضاه لهم سابقا لا يبعد عما اختاره الله لهذه الأمة في القرآن المجيد. وهذا دليل على أن شرعنا كشرع من قبلنا، في توجيه الأوامر والنواهي وإيراد القصص، وفي ضرورة توافر السمع والطاعة لما يشرعه الله تعالى.
يريد الله من بيان الأحكام التشريعية في قضايا الزواج ومحارم النساء ومن يباح منهن: أن يرشدنا إلى الطاعات والأعمال التي إذا أديناها وقمنا بها على وجهها الصحيح، كانت سبيلا ممهدة لقبول الله التوبة، فالأعمال الصالحة كفّارات للسيئات، والله بفضله يتوب علينا ويكفر عنا سيئاتنا، إن فعلنا تلك الأعمال، كما قال الله سبحانه: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هود: 11/ 114] ، والله عليم بكل قصد حسن أو سيء، حكيم في كل عمل وتشريع يسنّه لعباده، عليم بسنن الشرائع ومصالح العباد، مصيب بوضع الأشياء في مواضعها الصحيحة بحسب الحكمة والإتقان.
(1) طرق ومناهج. [.....]
والذين من قبلنا: هم المؤمنون في كل شريعة، المتبعون ما أنزله الله منها، وتوبة الله على عبده: هي رجوعه به عن المعاصي إلى الطاعات، وتوفيقه له، ثم كرر الله إظهار إرادته التوبة على عباده لتأكيد الإخبار الأوّل، وقدمت إرادة الله توطئة مظهرة لفساد إرادة متبعي الشهوات، يريد الله أن يتوب على عباده- وهذا تفضل ورحمة منه- يتوب عليهم بما كلفهم به من الأعمال التي تطهرهم وتزكي نفوسهم، فيتوب الله عليهم بعد هذا، وأما المفسدون فلا يتوب الله عليهم لإصرارهم على الإفساد، فهؤلاء المفسدون مبتغو الشهوات الذين يجرون وراءها إنما يريدون بالإضافة لإفساد نفوسهم إفساد المؤمنين الصالحين، يريدون أن يميلوا معهم ميلا عظيما، لأن مرتكب الإثم يهمه جدا ويحرص أن يشاركه غيره في فساده، إرضاء لنفسه وتستيرا عليها، واطمئنانا لسلوكها.
يريد الله أيضا من بيان أحكام التشريع في قضايا الزواج وغيرها التخفيف والتيسير على عباده، وبيان كون هذه الشريعة سمحة سهلة لا مشقة ولا ضيق ولا حرج في أحكامها، لقوله تعالى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ.. [الحج: 22/ 78] . وبيان التخفيف والسماحة أمر ضروري في أمور الزواج، قال طاوس: ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء.
لذا أراد الله تعالى أن يبين سبب هذا التخفيف وهو أن الإنسان خلق ضعيفا عن مقاومة الشهوات، والتأثر بإغراءات النساء، وهذا مقصد تشريعي عام في الإسلام، فإن هذه الشريعة قامت على مبدأ التخفيف والتيسير والبعد عن المشقة والمضايقة، والله تعالى بكرمه خفف عن عباده، وجعل الدين يسرا سمحا سهلا، ولم يجعله ضيقا حرجا، وضعف الإنسان ناشئ عن ضعف نفسه، ولأن هواه يستميله في الأغلب، لذا راعى التشريع هذا الضعف ويسّر الصعب، وشرع السهل.