الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 193]
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (193)
«1» «2» «3» «4» «5» [الأعراف: 7/ 189- 193] .
يذكّر القرآن الكريم أن الإنسان ضعيف، لا يملك من منافع نفسه ومضارها إلا ما شاء الله ويسّر، والله وحده هو صاحب القدرة المطلقة والإرادة النافذة غير المقيدة، والعالم بما غاب وحضر، ودليل القدرة الإلهية: أن الله هو الذي خلقنا جميعا من نفس واحدة في الأصل، وهي آدم عليه السلام، ثم خلق منه زوجته حواء، ثم تكاثر الناس منهما. وخلق الزوجة من جنس الزوج ليسكن إليها ويأنس بها ويطمئن معها ويألفها ويتعاون معها، كما جاء في آية أخرى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم: 30/ 21] .
وثمرة الزواج بين الرجل والمرأة بعد غشيان مشترك بينهما، أي استمتاع هو وجود الحمل الخفيف، أي الجنين، وهو أول الحمل الذي لا تجد فيه المرأة في البداية ثقلا ولا ألما، إنما مراحل الجنين: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ويرتفع الحيض عادة ببدء الحمل، وتستمر المرأة في متابعة أعمالها المعتادة دون مشقة، وهذا هو المراد من قوله تعالى: فَمَرَّتْ بِهِ أي استمرت بذلك الحمل الخفيف. فلما صارت المرأة ذات ثقل بحملها لكبر الولد في بطنها، وحان وقت الوضع، دعا الزوجان الوالدان مقسمين،
(1) واقعها.
(2)
فاستمرت به من غير مشقة.
(3)
صارت ذا ثقل بكبر الحمل.
(4)
بشرا سويا مثلنا.
(5)
أي الصنفان من النسل.
لئن آتيتنا ولدا صالحا تام الخلق، سليم الفطرة، لنكونن لك من الشاكرين نعمتك وفاء وعرفانا بالجميل.
فلما آتاهما الله ما طلبا، ورزقهما ولدا صالحا سويا كامل الخلقة، جعل الزوجان أي بعض بني آدم لله شركاء فيما آتاهما وأعطاهما، بأن سمياه عبد الحارث، والحارث: اسم إبليس، أو سمياه عبد العزى أو عبد مناة أو عبد شمس أو اللات، فتعالى الله عما يشركون، أي تعاظم وتنزه الله عما نسبوا له من الولد والشريك، هذه صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم واعتقادهم بالشرك.
ثم ناقش الله هؤلاء المشركين وفنّد أقوالهم، ونقض الشرك من جذوره، فقال تعالى: أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) أي أيشركون ما لا يستطيع خلق شيء، وإنما الله هو الخالق لهم ولأولادهم ولكل مخلوق، وهذه الأصنام أو الشياطين مخلوقة مصنوعة، لا يستطيعون لعابديهم تحقيق أي معونة أو نصر، بل إنهم لا يتمكنون من نصر أنفسهم على أعدائهم، بإهانة أو سب أو أخذ شيء مما عندهم من طيّب أو حلي، فلا نصر لأنفسهم على من أرادهم بسوء.
هذا كله إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان، وهي مخلوقة لله، مربوبة، مصنوعة لا تملك شيئا من الأمر ولا تضر ولا تنفع، ولا تسمع ولا تبصر، ولا تنتصر لعابديها، لكونها جمادات، بل إن هذه الأصنام إن دعاها عبّادها إلى ما هو هدى ورشاد، لا يستجيبون لهم ولا ينفعونهم، فهم في كلا الحالين: حال عبادتها وترك عبادتها عديمو النفع، سواء عليكم أيها المشركون دعاؤكم إياهم، أو سكوتكم عن دعائهم في أنه لا فلاح معهم، ولا خير يرتجى منهم، إذ هم لا يفهمون الدعاء، ولا يسمعون الأصوات، ولا يعقلون الكلام.
ومثل من كانت هذه صفته، لا يصلح ربا معبودا، وإنما الرب المعبود هو السميع