الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسمحون للمستضعفين أن تكون لهم عزة وكرامة، وقوة ومنعة. لذا تنشأ الحروب بين الفريقين، ويصبح الجهاد وردّ العدوان أمرا واجبا وفريضة لازمة، ويكون تقديم الشهداء وبذل التضحيات في الأمة عملا مفروضا. وقد جعل الإسلام للشهداء منزلة عالية في الدنيا بتخليد ذكرهم والثناء الحسن عليهم، وفضلوا في قبورهم بالرزق من الجنة من وقت القتل، حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم، إذ لا يرزق إلا حي.
قال الله تعالى:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 175]
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)
«1» [آل عمران: 3/ 169- 175] .
تضمنت هذه الآيات الشريفة الكلام عن منزلة الشهداء، وعن بطولات المجاهدين في سبيل الله المخلصين أعمالهم ابتغاء مرضاة الله.
روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم وشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا، فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم» ، فنزلت هذه الآية.
(1) أي الألم الشديد والجراح يوم أحد.
آية الشهداء هذه تحث المؤمنين على الجهاد ونصر الإسلام وإعلاء كلمة الله، وترغب في الاستشهاد في سبيل الله، لأن للشهداء مكانة عالية عند ربهم، فهم أحياء عند ربهم حياة من نوع خاص، في عالم الغيب، يمددهم الله برزق من الجنة،
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس: «أرواح الشهداء على نهر بباب الجنة يقال له بارق، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا» .
هؤلاء الشهداء فرحون بما رأوه من نعيم واسع وفضل كبير وإكرام جليل من الله، وهم مسرورون بإخوانهم المجاهدين الذين يتبعونهم على درب الجهاد والاستشهاد، لما شاهدوه من الجزاء العظيم لهم: وهو حياة أبدية ونعيم دائم، لا خوف عليهم من مكروه، ولا حزن على ما فاتهم في الدنيا، وهم يستبشرون بما يتجدد لهم من نعمة الحياة عند ربهم، ورزقه لهم، وحفظ ثوابهم العظيم.
والمجاهدون الذين يحظون بشرف الشهادة هم المؤمنون الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم الألم الشديد والجراح في غزوة أحد، فلبوا نداء الرسول صلى الله عليه وسلم حينما طلبهم فورا بعد أحد للقاء أبي سفيان في غزوة حمراء الأسد، للذين أحسنوا منهم العمل واتقوا ربهم وخافوا عقابه لهم أجر عظيم يتناسب مع جهادهم وتضحياتهم.
وهم الذين قال لهم بعض الناس (نعيم بن مسعود) : إن الناس وهم قريش قد جمعوا جموعهم فاخشوهم ولا تخرجوا إليهم، وذلك في غزوة بدر الصغرى، فزادهم قول الناس المثبّطين إيمانا بالله وثقة به ويقينا في دينه، فخافوا الله، ولم يخافوا الناس، واعتمدوا على نصره وعونه قائلين: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. أي كافينا الله وهو نعم الناصر المتولي أمورنا، وهذه الكلمة هي التي قالها إبراهيم الخليل حينما ألقي في النار، وقالها النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين قال الناس: إن الناس قد جمعوا لكم. ولما