الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفريقين سواء في استحقاق العذاب، فمن آمن برسول وجب عليه الإيمان ببقية الرّسل لأن الإيمان ليس بحسب الهوى والمزاج، وإنما بحسب ما يرتضيه الله، ومن كان محبّا للناس، رحيما بهم، حرص على سعادتهم وإيمانهم، لإنقاذهم من العذاب.
ولا يتصور إيمان بالله، وكفر بالرّسل كلهم أو بعضهم.
وأما أهل الإيمان: فهم الذين صدقوا وآمنوا بالله ورسله، ولم يفرّقوا بين أحد من رسله إيمانا خالصا لله سبحانه، كما قال جلّ وعلا: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 2/ 285] .
هؤلاء المؤمنون الصادقون في إيمانهم الذين آمنوا بالله ورسله جميعا، ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم، وعدهم الله تعالى وعدا قاطعا بجنان الخلد والرّضوان الإلهي، وسوف يؤتيهم ربّهم أجورهم كاملة يوم القيامة، وكان الله وما يزال غفورا لمن يأتي بهفوة مع الإيمان الصحيح، رحيما بعباده التائبين، حيث أرسل الله لهم الرّسل لهدايتهم، وقبلوا عن الله ما أراده وما وضعه لهم من مناهج الإيمان لتحقيق سعادتهم الأبدية.
تعنّت اليهود
التّعنّت والعناد شأن الذين يعرفون الحق والصواب، ثم يحيدون عنه، وهذا الوصف واضح في الكفار لا في المنافقين الجبناء الذين شأنهم التذبذب بين الكفر والإيمان دون استقرار على حال واحدة، فلا تعنّت عندهم، وإنما يوصفون بالاضطراب والقلق.
وقد حكى القرآن الكريم بعض أخبار أهل التّعنت والعناد، فقال الله تعالى:
[سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 159]
يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَاّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَاّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157)
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» [النساء: 4/ 153- 159] .
نزلت هذه الآيات في ناس من أهل الكتاب طلبوا من النّبي محمد صلى الله عليه وسلم بعض المطالب التعجيزية، طلبوا منه أن يأتي بالألواح من عند الله كما أتى بها موسى، وأن يأتي بكتاب من السماء جملة، إن كان نبيّا صادقا وأن يصعد في السماء، وهم يرونه، فينزل عليهم كتابا مكتوبا فيما يدّعيه على صدقه دفعة واحدة، كما أتى موسى بالتوراة، تعنّتا له صلى الله عليه وسلم.
طالبوا النّبي أن ينزل عليهم كتابا مكتوبا بخط سماوي يشهد أن محمدا رسول الله، وكانوا قد سألوا موسى أعظم من هذا، فقالوا: أرنا الله جهرة عيانا، بلا حواجز ولا حجب، ظانّين أن الله جسم محدود تدركه الأبصار.
وكان عقابهم على هذا الطلب المصحوب بالتعجيز والمراوغة: نزول الصاعقة التي أماتتهم، ثم أحياهم الله للعبرة والاتّعاظ. وبعد هذا الإحياء اتّخذوا العجل إلها من
(1) عيانا بالرؤية البصرية.
(2)
نار نزلت عليهم من السماء.
(3)
لا تعتدوا بالاصطياد فيه.
(4)
عهدا وثيقا بطاعة الله.
(5)
مغطاة بأغطية لا تعي.
(6)
ختم عليها.
(7)
كذبا وافتراء.
بعد ما رأوا الآيات الباهرة ومعجزات موسى الظاهرة من عبور الإسرائيليين البحر، وإغراق عدوّهم فرعون وجنوده، وانقلاب العصا حية، واليد البيضاء، وذلك سلطان مبين لموسى عليه السلام أي حجة ظاهرة، ثم عفا الله عنهم بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم وقتل بعضهم بعضا، حتى قيل لهم: كفّوا، فكان ذلك شهادة للمقتول، أي استشهادا، وتوبة للحي.
وكان من عجائب أحوالهم وأساليب تأديبهم: أن الله تعالى رفع فوقهم جبل طور سيناء، كأنه ظلّة، وهم في واد، بسبب ميثاقهم أن يعملوا بالتوراة، فامتنعوا من التزام أحكام الشريعة، وأبو إطاعة موسى عليه السلام، فأجبروا على الطاعة قهرا، وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسهم خشية أن يسقط الجبل عليهم. وأمروا أن يدخلوا باب بلدة سجّدا طائعين خاضعين، شكرا لله تعالى على نعمه وأفضاله، وهو نوع من سجدة الشكر التي فعلها كثير من العلماء، ورويت مشروعيتها عن نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأوصاهم الله بالتزام حرمة يوم السبت، فلا يعملوا فيه عملا دنيويا، ولا يتجاوزوا حرمته، فخالفوا واحتالوا بحيلتهم المعروفة في صيد الأسماك، من طريق بناء الأحواض على شاطئ البحر ليبقى السمك محجوزا فيها أثناء المدّ والجزر البحري.
وأخذ الله عليهم ميثاقا غليظا: وهو ما جاء على لسان موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء بأنهم يأخذون التوراة بقوة ويعملون بجميع ما فيها، فخالفوا وعصوا وتحايلوا على ارتكاب ما حرم الله عليهم.
وقد عذّبهم الله ولعنهم وأذلّهم بمجموع عدة أمور: هي نقض ميثاق العمل بالتوراة، وكفرهم بآيات الله الدّالة على صدق أنبيائه، وقتلهم الأنبياء بغير ذنب كزكريا ويحيى عليهما السلام، وقولهم: قلوبنا مغلفة بغلاف، فلا يصل إليها شيء من دعوة الأنبياء، ولكن الله ختم عليها فلا يصلها خير، ولا ينفذ إليها الإيمان،