الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعناد، والسذاجة والسطحية، والهروب من الحقيقة بعد تبيّنها وظهورها، ومعاداة ما تدل عليه البراهين العلمية والمشاهدات الحسية والتأملات الفكرية.
فبالرغم من وجود الآيات الكونية التي تدلّ على إثبات الوحدانية لله، وكمال الألوهية والربوبيّة، وبالرغم من وجود الآيات القرآنية التي تنادي الناس للإيمان والتصديق بها، فإن بعض الناس يتّجهون إلى التكذيب والإنكار والكفر. قال الله تعالى:
[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]
وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (6)
«1» «2» «3» «4» «5» [الأنعام: 6/ 4- 6] .
يذمّ الله تعالى أولئك الكفار الذين يعدلون بالله سواه، ويجعلون الشركاء مثل الله، يذمّهم بأنهم يعرضون عن كل آية ترد عليهم، فكلما أتتهم معجزة أو حجة واضحة من دلائل وحدانية الله وصدق رسله الكرام، أعرضوا عنها، ولم ينظروا فيها، ولم يبالوا بها، وكلما ذكّرهم القرآن العظيم بآيات ربّهم الذي ربّاهم، وتعهّدهم في حالتي الضعف والقوة، وأمدّهم بالرزق، وأعطاهم كل شيء، وخلق لهم جميع ما في الأرض، فإنهم مع ذلك كله يعرضون عن النظر في آيات الله، كما قال سبحانه: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [الأنبياء: 21/ 2- 3] .
(1) أخبار العقوبات.
(2)
أمة من الناس.
(3)
أمددناهم من القوة.
(4)
المطر.
(5)
غزيرا.
وسبب ذلك الإعراض عن النظر في آيات الله: تكذيبهم بالحقّ الذي جاءهم، وهو دين الإسلام والقرآن ومحمد عليه الصلاة والسلام.
إنهم لم ينظروا في الوجود نظرة تأمّل وتفكّر واعتبار، ولم يحرّروا أنفسهم من رقّ التقليد الأعمى للآباء والأجداد، ولم يترفعوا عن سيطرة العصبية وحماقة الجاهلية، فهم إذا جاءتهم رسالة التجديد والحياة الأفضل أعرضوا وقالوا: سحر مستمر، قال تعالى: وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) [الأعراف:
7/ 132] .
والإعراض عن الحق، والجمود على الباطل، استدعى تهديد هؤلاء الكفار على تكذيبهم بالحقّ، فلا بدّ من أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التكذيب، وسيجدون عاقبة أمرهم واستهزائهم بالإسلام والقرآن، فإنهم سيتعرضون في الدنيا للقتل والدمار بمختلف الأسباب، وفي الآخرة يجدون العذاب في نار جهنم يطوّق أعناقهم ويلازمهم إلى الأبد، قال تعالى: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [النّحل: 16/ 34] .
ثم أبان الله تعالى أن الوعيد بالعذاب سنّة الله في المكذّبين، ألم يروا في قلوبهم وينظروا في عقولهم أن الله أهلك كثيرا من الأمم السابقة قبلهم، مثل قوم عاد وثمود وقوم فرعون وإخوان لوط الذين كذّبوا رسلهم، بالرغم مما كانوا يتمتعون به من أسباب القوة والسّعة في الرزق، والاستقلال والملك، ما لم نعطهم مثله، وما لم نمكّن لهم شبيها به.
لقد كان قوم عاد وثمود وقوم فرعون وإخوان لوط في سعة كبيرة من العيش، وشدة في السلطان، وقوة في الحياة، وسّع الله عليهم الرزق، وأرسل عليهم الأمطار الغزيرة، وجعل الأنهار تجري من تحت بيوتهم ووسط مزارعهم، فلما كفروا بأنعم