الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم وضع القرآن قاعدة عامة للمقارنة بين المسجدين وأي بناءين، وتلك القاعدة:
أنه لا يستوي من أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان، ومن بنى مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين، وهذا مصيره الانهيار والسقوط في قعر جهنم، والله لا يوفق الظالمين ولا يهديهم للحق والصواب والصلاح، ما داموا قد قصدوا المعصية والكفر، وقد صار هذا مثلا للأجيال.
ولمسجد الضرار آثار ومعان سيئة على ممر التاريخ، فهو لا يزال سبب حزازة وأثر سوء، وشك من المنافقين في الدين، وزيادة نفاقهم إلى أن يفارقوا حياتهم بالموت والله عليم بأعمال خلقه، حكيم في إيقاع الجزاء العادل بهم من خير أو شر، ومن حكمته تعالى إظهار حال المنافقين لمعرفة الحقائق وإنصاف التاريخ.
صفات أهل الجنة
إن رسالة الإسلام هي رسالة بناء وإصلاح واستقامة في الدين والعقيدة والعمل، فمن التزم بأصولها وعمل بموجبها، وجاهد الأعداء الذين يريدون إبطالها والقضاء عليها، ظفر بخير الدنيا والآخرة، ففي الدنيا كان له العزة والسيادة، وفي الآخرة كان من الخالدين السعداء في جنان الخلد والنعيم، ومن أجل الوصول لهذه الغاية حدد القرآن المجيد صفات أهل الجنة، ووعد بها وعدا مؤكدا أوجبه على نفسه، وصيره حقا ثابتا لازما في التوراة والإنجيل والقرآن، قال الله تعالى مبينا هذا الوعد وأسبابه:
[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)
«1» «2» [التوبة: 9/ 111- 112] .
نزلت هذه الآية في البيعة الثالثة، وهي بيعة العقبة الكبرى، لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار وكان عددهم يزيد عن السبعين، وكان أصغرهم سنا عقبة بن عمرو، وذلك
أنهم اجتمعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة، فقالوا: اشترط لك ولربك، وكان القائل عبد الله بن رواحة، فاشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم حمايته مما يحمون منه أنفسهم، واشترط لربه التزام الشريعة، وقتال الأحمر والأسود في الدفاع عن الحوزة، فقالوا:
ما لنا على ذلك؟ قال: الجنة، فقالوا: نعم، ربح البيع، لا نقيل ولا نقال، فنزلت الآية: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ....
جعل الله تعالى أول عمل يبوئ صاحبه الجنة، هو الجهاد في سبيل الله، ببذل المؤمنين أنفسهم وأموالهم من أجل إعلاء كلمة الله، وثمن هذا البذل هو الجنة، يقاتلون في سبيل الله، فيقتلون الأعداء، أو يستشهدون في سبيل الله، وفي كلتا الحالتين يكون لهم الجنة، وأكد الله تعالى وعده لهم بها، وجعل لهم ما هو خير من هبة أنفسهم وأموالهم، وصيره وعدا واجب الوفاء على نفسه، وحقا ثابتا لأصحابه، مقررا لهم به في التوراة المنزلة على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى، والقرآن المنزل على محمد عليهم الصلاة والسلام.
ولا أحد أوفى بعهده وأصدق في إنجاز وعده من الله، فإن الله لا يخلف الميعاد، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء: 4/ 87] وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء: 4/ 122] .
ومن وعد بمثل هذا الوعد المؤكد، فليظهر السرور والفرح على ما فاز به من الجنة، وليستبشر بمدى الربح العظيم في هذه الصفقة أو المبايعة، ثوابا من الله وفضلا
(1) المجاهدون أو الصائمون.
(2)
لأحكامه من أوامر ونواه.