الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورسوله وهم المسلمون، واليهود والصّابئون (فرقة من النصارى المحايدين) والنّصارى أتباع عيسى عليه السلام، من آمن منهم بالله ربّا وإلها واحدا، وآمن برسله، وباليوم الآخر يوم القيامة، وعمل صالحا فأقام الطاعات، فلا خوف عليهم أبدا من عذاب القيامة، ولا هم يحزنون أبدا على شيء من لذّات الدنيا ونعيمها، بل هم في جنّات النعيم، جعلنا الله منهم وألهمنا رشدنا وصوابنا.
علاقة أهل الكتاب برسلهم
الأنبياء والرّسل عليهم السلام مندوبون موفدون مكلفون من الله تعالى بتبليغ رسالات ربّهم وكتبه ووصاياه، فما على البشر إلا الأخذ بتعاليمهم وتصديقهم في دعوتهم، واحترامهم وتأييدهم جميعا، دون تفرقة ولا تمييز، ولا اختيار لأحدهم أو بعضهم وترك البعض الآخر. غير أن أهل الكتاب لم يلتزموا هذا الموقف المحايد، وإنما صدّقوا بعض الرّسل، وكذّبوا بعضهم الآخر، بل قتلوا فريقا منهم، أو وصفوه بصفة مخالفة للحقيقة، ومغايرة للواقع. قال الله تعالى مبيّنا هذا الموقف:
[سورة المائدة (5) : الآيات 70 الى 75]
لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَاّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)
«1»
(1) ابتلاء وعذاب.
«1» «2» «3» [المائدة: 5/ 70- 75] .
تضمّنت هذه الآيات الكريمات أخبارا مثيرة ووقائع حدثت من أوائل الكتابيين، الخبر الأول- يقسم الله تعالى بذاته على أنه أخذ العهد المؤكد الموثق على بني إسرائيل في التوراة على السمع والطاعة لله ورسله: موسى وعيسى ومحمد عليهم الصّلاة والسّلام، فيؤمنوا بالله وحده لا شريك له، ويتّبعوا أحكام الله وشرائعه، ولكنهم نقضوا العهد والميثاق وعاملوا الرّسل بحسب أهوائهم، فكذّبوا بعضهم وأعرضوا عن رسالته، وقتلوا بعضهم ظلما وعدوانا.
والخبر الثاني- أنهم ظنّوا وتيقّنوا ألا يترتب على ما صنعوا شرّ وضرر، وألا تقع بهم فتنة، أي اختبار وابتلاء لهم بما فعلوا من الفساد، لزعمهم أنهم أبناء الله وأحبّاؤه، ولّجوا في شهواتهم، واختبروا بالشدائد، ولكنهم لم يتّعظوا ولم يعتبروا، وعموا عن الحق، ولم يتبصّروا طريق الهدى، فشبّهوا بالعمي، وصمّوا آذانهم عن استماع الحق وعن تدبر آيات الله، فشبّهوا بالصّمّ، فلم يهتدوا إلى الخير، وتسلط عليهم البابليّون ونهبوا أموالهم، وسبوا أولادهم ونساءهم، ثم تاب الله عليهم مما كانوا فيه، أي رجع بهم إلى الطاعة والحق، حين أنابوا لربّهم وتركوا الفساد والشّرّ وعبادة العجل، ثم أعادوا الكرة للانغماس في الشهوات، فعموا عن المواعظ، وصموا آذانهم عن آيات الله ولم يعتبروا بالإنذارات ولم يتّعظوا بالشدائد والحجج
(1) مضت.
(2)
كثيرة الصدق مع الله تعالى.
(3)
أي يصرفون عن الحق مع قيام البرهان.
والآيات البيّنات، وكان أكثرهم عصاة، عصوا أوامر الله والرّسل، فسلّط الله عليهم الفرس، ثم الرّومان، فدمّروا ملكهم وسلبوا استقلالهم. والله مطّلع على أحوالهم، عليم بمكائدهم ومكرهم برسلهم وبالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكان أقلّهم مؤمنين صالحين.
والخبر الثالث- يقسم الله تعالى أيضا أنه كفر الذين ألّهوا المسيح، وضلّوا ضلالا شديدا خارجا عن حدود العقل والدين، مع أن المسيح حذّرهم عاقبة الشّرك والوثنية، وأعلمهم بأن من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار، وليس للظالمين أنفسهم من نصير ينصرهم ولا شفيع يشفع لهم وينقذهم.
والخبر الرابع- قسم آخر مؤكد من الله تعالى كالذي قبله بأنه كفر الذين قالوا بالتّثليث، وأنه لا يوجد في هذا الكون والعالم إلا إله واحد، فرد صمد، وهو خبر صادق بالحق، وذلك الإله هو الله تعالى، وإن لم ينتهوا عما يزعمون، ليتعرضنّ لعذاب شديد مؤلم في الآخرة.
وفي أعقاب هذه الأخبار اقتضت رحمة الله وألطافه بعباده أن يحضّهم على الإيمان الصحيح، ويدعوهم إلى التّوبة والاستغفار مما وقعوا فيه من الكفر والعصيان، فالله غفور للتّائبين، رحيم بهم، ستّار للذنوب.
والخبر الخامس- عن حقيقة المسيح وأنه رسول بشر كالرّسل المتقدّمة قبله، وأن أمّه مريم صدّيقة، أي مؤمنة بحقيقة عيسى، ومصدّقة له، ومعترفة برسالته على الوجه الصحيح، ولها مرتبة تلي مرتبة الأنبياء والمرسلين. وهي وابنها مجرد بشرين كانا يشربان ويأكلان الطعام، للحفاظ على معيشتهما وحياتهما.
ثم أمر الله تعالى نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بالنظر في ضلال هؤلاء القوم، وبعدهم عن سنن الحق، وأن الآيات والدلائل الواضحة تبيّن لهم، وتوضّح في غاية