الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون في سفر الجهاد، وما يتطلبه في الماضي والحاضر من وسائط النقل، لحمل الأثاث والركوب، فهؤلاء في هذه الحال لا إثم ولا ذنب عليهم، وهم قوم محمودون غير مذمومين، بسبب ظهور إخلاصهم، واعتذارهم بما هو حق وعذر مقبول.
حكم المتخلفين عن الجهاد بغير عذر
من الطبيعي أن يؤاخذ الله المتخلفين عن الجهاد بغير عذر، وأن ينذر بالعذاب والعقاب أولئك المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، ثم يحاولون الاعتذار للمؤمنين بالأعذار الكاذبة، والأساليب الملتوية، والأيمان الملفقة، قاصدين بذلك إرضاء المؤمنين، وهم غافلون تمام الغفلة عن إرضاء الله رب العالمين، وهذا بيان القرآن الكريم في شأن الفريقين، قال الله تعالى:
[سورة التوبة (9) : الآيات 93 الى 96]
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96)
«1» [التوبة: 9/ 93- 96] .
أبان الله تعالى في آية سابقة أنه لا مؤاخذة على المؤمنين المحسنين وهم ذوو الأعذار
(1) قذر وخبث.
بحق، إنما المؤاخذة على من كان مستأذنا لترك الجهاد من المنافقين الأغنياء القادرين على إعداد العدة من زاد وراحلة وسلاح وغير ذلك، ولا عذر لهم مطلقا، وسبب استحقاقهم المؤاخذة: أنهم رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف من النساء والصبيان والعجزة والمرضى وأهل الأعذار الحقيقية، وترتب على تقصيرهم وتقاعسهم أن طبع (ختم) الله على قلوبهم، حتى لا يصل إليها الخير، ولا ينفذ إليها النور، فهم لذلك لا يهتدون، ولا يعلمون ما في الجهاد من منافع الدين والدنيا، ولا يعلمون الخير حتى يتجهوا إليه، وهكذا تظلم قلوب أهل المعاصي وتقسو، فلا تفتح لخير أو رضوان.
ذكر ابن عباس أن آيات المعتذرين المنافقين وهم ثمانون رجلا نزلت فيهم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين لما رجعوا إلى المدينة بأن لا يجالسوهم ولا يكلموهم.
لقد أخبر القرآن الكريم في هذه الآيات بما سيكون من أمر المنافقين المتخلفين في المدينة وما حولها عن تبوك. إنهم حين رجوع المؤمنين من تبوك سيعتذرون للمؤمنين عن تخلفهم عن الجهاد بغير عذر، فرد الله عليهم آمرا نبيه بإخبارهم: لا تعتذروا بالأعذار الكاذبة لأنا لن نصدقكم أبدا، ولأن الله أخبرنا سلفا بالوحي إلى نبيه بعض أخباركم وأحوالكم، وهو ما في ضمائركم من الشر والفساد ومناقضة الحقائق، وسيظهر الله أعمالكم للناس في الدنيا، وسوف يكون مصيركم إلى الله عالم الغيب والشهادة، بعد البعث من القبور، فيعلم ما تكتمون وما تعلنون، فيخبركم بأعمالكم خيرها وشرها، ويجزيكم عليها. وهذا تصريح بتوبيخ المنافقين والعقاب على أعمالهم، والتخويف من الله.
ثم أخبر الله تعالى عن تأصّل الكذب في المنافقين، إنهم سيحلفون لكم الأيمان الكاذبة معتذرين، لتعرضوا عنهم أيها المؤمنون، فأعرضوا عنهم ولا تعاتبوهم ولا