الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحسن إلى غيره ولم يقابله بإساءته، فهو أرفع درجة عند الله وعند خلقه، لذا ذكرت الآية الثانية: أن إبداء الخير من قول أو فعل، أو إخفاءه، أو العفو عمن أساء، يجازي الله تعالى عليه خيرا، بل يرغّب فيه، فالله تعالى يحبّ فعل الخير، ويعفو عن السّيئات، وهذا وعد كريم من الله بإثابة العافين عن الناس، والمحسنين إليهم لأن الله سبحانه قادر تمام القدرة على معاقبة المسيء في الدنيا والآخرة، لكن يظل للعفو مكانته، وما أجمل الجمع في نهاية الآية بين العفو والمقدرة في قوله سبحانه: فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً وهو إرشاد إلى أن القدرة على العقاب لا تمنع العفو والمغفرة، ويكون التّخلق بأخلاق الله تعالى أمرا حسنا مرغّبا فيه، ففي العفو خير وبركة وإحسان.
ضابط الكفر والإيمان
الكفر والإيمان أمران متعارضان لا يجتمعان عند إنسان، فإما أن يكون الإنسان مؤمنا أو غير مؤمن لأن الإيمان لا يتجزأ، وليس هناك أنصاف حلول في قضايا الإيمان وترك الإيمان، فكل من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه، فهو مؤمن، وكل من كفر وجحد بأحد هذه الأركان أو العناصر السّتة، فهو كافر غير مؤمن ولا يقبل من أحد بعد هذا: الادّعاء بأنه مؤمن إذا افتقد ركنا من هذه الأركان، وعليه أن يسلم قلبه لله تعالى، فيقرّ بوجوده ووحدانيته، ويصدق بجميع الملائكة والكتب الإلهية المنزلة والرّسل والأنبياء الكرام جميعهم، ومن آمن ببعض هؤلاء وكفر بالبعض الآخر، فهو غير مؤمن في ميزان الدين الإلهي والعدل الرّباني.
قال الله تعالى مبيّنا ضابط الإيمان والكفر صراحة:
[سورة النساء (4) : الآيات 150 الى 152]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (150) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152)
[النساء: 4/ 150- 151] .
نزلت هذه الآيات في شأن من آمن ببعض الرّسل، وكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فمن كفر بخاتم الأنبياء، فكأنه كفر بجميع الرّسل، والكفر بالرّسل كفر بالله، وتفريق بين الله ورسله في أنهم قالوا: نحن نؤمن بالله، ولا نؤمن بفلان وفلان من الأنبياء.
يتوعّد الله تعالى في هذه الآيات الكافرين به وبرسله، حيث فرّقوا في الإيمان بين الله ورسله، فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض، تعصّبا وتمسّكا بالموروث، واعتصاما بالأهواء والشهوات، وحفاظا على المراكز والمصالح.
ومن أنكر وجود الله، أو أقرّ بوجوده ولكنه كفر بالرّسل وكتبهم، ولم يعترف بوجود ظاهرة الوحي من الله لبعض عباده الذين اصطفاهم، فهؤلاء أيضا من فئة الكفار.
وإن من آمنوا بنبي أو رسول، وجحدوا نبوّة أو رسالة رسول آخر، فهم كفار، فرّقوا بين الله ورسله في الإيمان، واتّخذوا سبيلا وسطا بين الإيمان والكفر، واخترعوا دينا مبتدعا بين الأديان، إنهم هم الكافرون الكاملون في الكفر، الراسخون في الضلال، فالدين دين الله، وما يقرّه الله فهو الحق، وما يبطله فهو الباطل، ولو كان هؤلاء مؤمنين حقّا بما أمر الله به، لما أوجدوا هذه التفرقة ولا تلك الضلالة، وأعتد الله وهيّأ للكافرين جميعا من هؤلاء وأمثالهم عذابا فيه ذلّ وإهانة لهم في الدنيا والآخرة، جزاء كفرهم.
يتبين من هذا أن الكفر بالرسل نوعان: كفر بجميع الرّسل، وأصحابه لا يؤمنون بأحد من الأنبياء، لإنكارهم النّبوات، وكفر ببعض الرّسل دون بعض، وكلا