الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالطعن في الدين تارة، وبالحملات العسكرية المتكررة في كثير من الأوقات. ومع كل هذا هادنهم التشريع القرآني، وصبر المسلمون على إيذاء غيرهم ردحا طويلا من الزمان، ثم أذن الحق سبحانه وتعالى بإنذار الأعداء وقتالهم بسبب كثرة اعتداءاتهم، فقال الله تعالى:
[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74)
«1» «2» [التوبة: 9/ 73- 74] .
أصح ما
روي في سبب نزول هذه الآية: ما رواه ابن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة، فقال:
إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلّموا، فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: علام تشتمني أنت وأصحابك؟
فانطلق الرجل، فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا، فتجاوز عنهم، فأنزل الله:
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا.. الآية.
لم يبدأ المسلمون غيرهم بقتال، وإنما ابتدأ القرآن الكريم بتهديد الكفار وإنذارهم بالجهاد، وتنوعت أساليب الجهاد بحسب الأعداء المجاهدين، فكان جهاد الكافر المعلن عداوته بالسيف، وجهاد المنافق المتستر باللسان والتعنيف. وأسباب الجهاد:
إظهار الأعداء العداوة والمجاهرة بالكفر والتحدي، وحلف الأيمان الكاذبة، والتكلم بالكلمات الشنيعة الفاسدة، والجهاد ثلاثة أنواع: جهاد العدو الظاهر، وجهاد
(1) شدّد عليهم.
(2)
ما كرهوا وما عابوا.
الشيطان، وجهاد النفس والهوى، لقوله تعالى: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ [الحج: 22/ 78] وقوله سبحانه: وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: 9/ 41] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وغيره عن أنس: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»
وما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحة عن فضالة بن عبيد:
«المجاهد: من جاهد نفسه لله أو في الله عز وجل» .
ومعنى الآية التي أودّ بيانها هنا: يا أيها النبي جاهد كلا من الكفار والمنافقين، وعاملهم بالشدة والخشونة، إرهابا لهم، وقمعا لمحاولات اعتدائهم، ولهم عذابان:
عذاب الدنيا بالجهاد وعذاب الآخرة في جهنم. وذلك لأنهم يظهرون العداوة والتحدي، ويجاهرون بالكفر صراحة، ويهمّون بالفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستهزئون بآيات الله وبالنبي وبالمؤمنين، ويحلفون الأيمان الكاذبة، ويتلاعبون بالدين، مظهرين الكفر بعد أن أظهروا الإسلام، وهموا بما لم ينالوا ولم يتحقق مأربهم وهو اغتيال الرسول في العقبة، بعد رجوعه من غزوة تبوك. ولم يكن لأولئك المنافقين عذر في موقفهم المعادي بالرغم من أن الله تعالى أغناهم من فضله، ورسوله أيضا بإعطائهم من الغنائم الحربية بعد أن كانوا فقراء في المدينة.
ومع كل هذا لم يبادرهم المسلمون بالقتال، وفتح الإسلام لهم باب التوبة والأمل، فإن يتوبوا من النفاق ومساوئ الأقوال والأفعال، يكن ذلك خيرا لهم وأصلح، ويفوزوا بالخير، ويقبل الله توبتهم إن صدقوا في كلامهم. وإن يتولوا عن التوبة بالإصرار على النفاق، يعذبهم الله عذابا مؤلما في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهو القتل وسبي الأولاد والنساء واغتنام الأموال، والعيش في حال شديدة من القلق والخوف والهمّ، وما لهم في الأرض كلها من ولي يتولى أمورهم ويدافع عنهم، ولا نصير ينصرهم وينجيهم من ألوان العذاب، وهم في صف معاد للمسلمين،