الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقسموا بالله وحلفوا الأيمان المغلّظة المؤكّدة: إنهم معكم، وإنهم مناصروكم على أعدائكم، ثم انكشفوا على حقيقتهم، وتبينت عداوتهم كما قال الله تعالى:
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)[التّوبة: 9/ 56] .
أي إنهم جماعة خائفون يظهرون الإسلام تقية أو مناورة أو سياسة، لا حقيقة. ثم يضيف المؤمنون قائلين: هؤلاء المنافقون بطلت أعمالهم، التي يؤدّونها نفاقا من صلاة وصيام وحج وجهاد، فخسروا بذلك الدنيا، والأجر والثواب في الآخرة.
وهكذا الزمن كفيل بإظهار الأمور على حقيقتها، فلا بد من أن ينهزم أهل الشّر والباطل، وينتصر أهل الحق وجند الإيمان بعد الاستعداد الصحيح والتفافهم مع بعضهم، وإعزاز إيمانهم ودينهم كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173)[الصّافّات: 37/ 171- 173] .
تهديد المرتدّين
إن الثّبات على الحق والإيمان بالله تعالى مهما حدث من الحوادث والكوارث هو شأن المؤمن العاقل، الصحيح العقيدة، فلا يتزحزح عن إيمانه مهما اختلفت المصالح، أو تعرّض للإغراءات والمصائب، ويظل ثابتا على العهد والدين كأنه الجبل الأشمّ والصخرة العاتية. أما ضعاف الإيمان، والانهزاميون والمتذبذبون الجبناء، فهم الذين لا يصمدون للمحنة أو الأزمة، وتراهم سريعي التّبدل والتّحول من ساحة الإيمان إلى بؤرة الكفرة ومستنقع الشيطان وأعوانه.
لذا هدّد المرتدّين بأنهم لن يضرّوا إلا أنفسهم، فقال الله تعالى:
[سورة المائدة (5) : الآيات 54 الى 56]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56)
«1» «2» «3» «4» «5» [المائدة: 5/ 54- 56] .
من المعلوم أنه ارتدّ عن الدّين إحدى عشرة فئة، ثلاث قبائل أيام النّبي صلى الله عليه وسلم:
وهم بنو مدلج بزعامة الأسود العنسي، وبنو حنيفة بزعامة مسيلمة الكذاب، وبنو أسد بزعامة طليحة بن خويلد، وسبع قبائل في عهد أبي بكر الصّديق، وهم غطفان وفزارة وبنو سليم، وبنو يربوع، وبعض بني تميم بزعامة سجاح الكاهنة، وكندة، وبنو بكر. وارتدّ جبلة بن الأيهم من الغساسنة وتنصّر ولحق بالشام والروم.
فنزلت هذه الآيات السابقة خطابا للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة، وأشارت إلى القوم الذين قاتلوا أهل الرّدة والذين يأتي الله بهم وهم: أبو بكر الصّديق وأصحابه رضوان الله عليهم.
ومعنى الآيات الكريمات: أن الله وعد هذه الأمة أن من ارتدّ منها، فإنه تعالى يجيء بقوم ينصرون الدين، ويستغنى بهم عن المرتدّين، فكان أبو بكر وأصحابه ممن صدق فيهم الخبر في ذلك العصر السابق في صدر الإسلام. فمن يرتد عن دينه في المستقبل، فسوف يأتي الله بقوم بديل عنهم، وصفهم القرآن الكريم بستّ صفات:
1-
إنهم أناس يحبّهم الله تعالى، أي يثيبهم أحسن الثواب على طاعتهم، ويرضى عنهم.
(1) متواضعين رحماء بهم. [.....]
(2)
أشدّاء عليهم.
(3)
اعتراض معترض.
(4)
كثير الفضل والجود.
(5)
ناصركم.
2-
ويحبّون الله تعالى باتّباع أوامره واجتناب نواهيه.
3-
وهم أذلّة على المؤمنين، متواضعون لهم، متفاهمون معهم، متعاونون.
4-
وهم أعزّة على الكافرين، أي أشدّاء متعالون عليهم، معادون لهم كما قال الله تعالى في وصف المؤمنين في آية أخرى: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:
48/ 29] .
5-
وشأنهم أنهم يجاهدون في سبيل إعلاء كلمة الله ودينه، ومن أجل مناصرة الحق والخير والفضيلة وتوحيد الإله، ويدافعون عن الأوطان والأهل والديار والبلاد.
6-
وهم لا يخافون في الله لومة لائم، أي لا يخشون لوم أحد واعتراضه ونقده، لصلابتهم في دينهم، ولأنهم يعملون لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، على نقيض المنافقين الذين يخافون لوم حلفائهم وأنصارهم من الأعداء.
هذه الصفات السّت التي اتّصف بها هؤلاء المؤمنون المخلصون هي من فضل الله العظيم، والله سبحانه يؤتي فضله من يشاء، ويوفق إليه من يريد، والله واسع عليم، أي ذو سعة فيما يملك ويعطي، كثير الأفضال، عليم بمن هو أهلها، يمنح فضله وإحسانه ونعمه على من يجد فيهم الاستعداد الطيب لها.
وبعد أن نهى الله تعالى عن موالاة الأعداء، أمر بموالاة ومناصرة الله ورسوله والمؤمنين، فأنتم أيها المؤمنون إنما وليّكم وناصركم بحق هو الله ومعه رسوله والمؤمنون الذين يقيمون الصلاة، أي يؤدّونها كاملة تامّة الأركان والشروط، ويؤتون الزّكاة، أي يعطونها بإخلاص وطيب نفس لمن يستحقّها، وهم خاضعون لأوامر الله، بلا ضجر ولا رياء. وإيتاء الزّكاة هنا لفظ عامّ يشمل الزّكاة المفروضة والتّطوع