الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرّب القرآن الكريم كيفية تصور القدرة الإلهية بما يحيط بنا من العالم المشاهد المحسوس الذي ندركه، ونتعامل معه ونحس به، ويكفينا تقريب المفاهيم لنعلم أن الله جل جلاله هو خالق الكون، المتصف بالتوحيد، القوي القادر القاهر الذي لا يغلب، المحيط علمه بجميع المخلوقات صغيرها وكبيرها.
قال الله تعالى مدللا على عظمته وقدرته التامة:
[سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (133) مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (134)
[النساء: 4/ 131- 134] .
يخبر الله تعالى: أنه مالك السماوات والأرض، والحاكم المتصرف فيهما، وأن جميع ما فيهما له سبحانه ملكا وخلقا وإيجادا وتصريفا وعبيدا، له الحكم المطلق ولله الأمر جميعا، والخلق في نهاية العالم راجعون إليه للحساب والجزاء، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
ولقد أمر الله أهل الكتاب أصحاب التوراة والإنجيل والزبور، وأمر جميع المسلمين والمؤمنين في هذا العالم بتقوى الله عز وجل، بامتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وهذا الأمر لعباد الله أو الوصية الإلهية بالتقوى لم يزل ولم تزل موجودين، فالوصية بذلك قائمة منذ أوجد الله الخلق، وهذا دليل واضح على أن الأديان كلها متفقة على مبدأ التوحيد وتقوى الله، ومختلفة في الجزئيات والفروع تبعا للزمان والمكان.
ثم هدد الله جميع العباد بأنهم إن كفروا بالله، فليعلموا أن لله جميع ما في
السماوات والأرض، وهو سبحانه الغني عن خلقه وعن كل شيء، وعن عبادتهم جميعا، وهو المستحق لأن يحمد بذاته وكمال صفاته لكثرة نعمه، وإن لم يحمد أحد منهم: قال الله تعالى: ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)[الذاريات: 51/ 57- 58] .
ثم أكد الله تعالى القول والتنبيه للعباد بأنه المالك المتفرد لجميع السماوات والأرض خلقا وملكا يتصرف فيهما كيف شاء إيجادا وإعداما، إحياء وإماتة، وكفى بالله وكيلا، أي قائما بالأمور كلها، المنفذ فيها ما رآه في سائر شؤون العباد.
والمراد بقوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أي أن من كان بسعيه وعمله وجهاده يريد ثواب الدنيا، أي نعيمها بالمال والجاه والمتع الدنيوية، ولا يعتقد أن هناك نعيما سواه، فليس الأمر كما يظن، بل عند الله ثواب الدارين: الدنيا والآخرة، فمن قصد الدنيا فقط، أعطاه الله من الدنيا ما قدّر له، وكان له في الآخرة العذاب، كالمجاهد الذي يريد بجهاده الغنيمة فقط أو نصرة راية غير إسلامية، فيأخذ الغنيمة ويحقق المطمع الدنيوي الرخيص، وليس له في عالم القيامة إلا النار، وكان الله سميعا لكل قول، بصيرا بكل قصد وعمل، فعلى الإنسان أن يخلص في عمله لله تعالى، ويكون قصده إرضاء الله عز وجل، ولا مانع أن يقصد بعمله وجهاده معا ثواب الدنيا ومكافأتها، وثواب الآخرة ونعيمها الخالد في الجنة.
وهذه الآية مثل قوله تعالى: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ «1» (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202)
(1) أي نصيب.