الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توحيد الأمة وتحريضها على القتال
إن من أصعب الأمور الجسام توحيد الأمة وتوجيهها نحو هدف واحد، وكانت هذه المشكلة من أهم القضايا التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة الإسلامية، واستطاع بإلهام من الله وحكمة وتوفيق أن يتغلب على هذه المعضلة، وأن يجعل من القبائل العربية أمة موحدة الصف، قوية البنيان، تتجه نحو هدف واحد وعدو واحد، وصف الله تعالى طريق الوصول إلى وحدة الأمة في قوله تعالى:
[سورة الأنفال (8) : الآيات 63 الى 66]
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)
«1» [الأنفال: 8/ 63- 66] .
آية التأليف بين قلوب المؤمنين إشارة إلى العداوة التي كانت بين الأوس والخزرج في حروب بعاث، فألف الله تعالى قلوبهم على الإسلام، وردهم متحابين في الله، وهذا تذكير بنعمة الله على نبيه ولطفه به، فكما لطف به ربه أولا، فكذلك يفعل آخرا. لقد أيد الله رسوله بجند الإيمان من المهاجرين والأنصار، الذين دافعوا عنه دفاع الأبطال الشرفاء، والله بفضله هو الذي ألف بين قلوبهم، وجمعهم على كلمة الحق والشهادة، وغرس في قلوبهم التحابّ والتوادد بعد العداوة والبغضاء في الماضي الجاهلي، وصار كل تآلف في الله تابعا لذلك التآلف الكائن في صدر الإسلام،
روى الإمام أحمد عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمن مألف، لا خير فيمن
(1) حثهم حثا بالغا.
لا يألف ولا يؤلف» .
والتشابه في الصفات والأفعال هو سبب الألفة، فمن كان من أهل الخير ألف أشباهه وألفوه.
وكان التأليف بفعل الله، فلو أنفقت أيها النبي جميع ما في الأرض من أموال، ما استطعت تأليف قلوب العرب، وجمع كلمتهم، ولكن الله بهدايتهم للإيمان، وتوحيدهم على طريق سوي، حقق التأليف بينهم بقدرته وحكمته، إن الله قوي لا يغلب، حكيم في أفعاله. ومعلوم أن من أهم أسباب النصر هو التآلف واتحاد الكلمة.
ولم يقتصر التأليف على تسوية المنازعات الجاهلية القديمة، وإنما شمل تسوية المنازعات الناشئة بعد الإسلام، كالخلاف في شأن قسمة الغنائم.
وكما وعد الله رسوله بالنصر عند مخادعة الأعداء، وعده بالنصر والظفر في جميع الحالات في الدين والدنيا، لذا أخبر الله سبحانه بأنه كاف نبيه كل ما يهمه من شؤون وناصره ومؤيده على أعدائه، وإن كثرت أعدادهم وتزايدت أمدادهم، وكان عدد المؤمنين قليلا وعدتهم ضعيفة. ويؤيده أيضا أتباعه المؤمنون الذين بايعوه على الإيمان والجهاد والدفاع عنه وعن الإسلام. وقد نزلت آية: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال.
ولكن توحيد الأمة وإن كان أساس القوة وبناء الجبهة الداخلية، فعليك أيضا أيها النبي أن تحرّض المؤمنين على القتال، ولما كان المؤمنون قلة في صدر الإسلام، أمر الواحد منهم أن يثبت في الحرب أمام عشرة من الكفار، فإن يكن منكم عشرون صابرون في القتال، ثابتون في مواقعهم، يغلبوا بإيمانهم وصبرهم وفقههم مائتين من الأعداء، ليست عندهم هذه الخصال الثلاث، وإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا ألفا من الكفار، والسبب في هزيمتهم أنهم قوم جهلة لا يدركون حكمة الحرب، كما يدركها المؤمنون، فهم إنما يقاتلون بقصد مجرد التفوق والاستعلاء، والمؤمنون