الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخوض في كتاب الله ورسله وصفاته بغير علم يعد جهلا وكفرا، لأن الهزل أخو الباطل والجهل، والإيمان يتطلب الأدب والعلم وتعظيم الله وآياته وأنبيائه.
ولا يقتصر الكفر على القلب، وإنما يشمل الأقوال والأفعال المكفرة. وإذا كان المنافقون كفارا قبل نزول هذه الآيات بسبب نفاقهم، فإن استهزاءهم كفر بعد كفر لأن الكفر يتجدد، وقد كفروا بعد أن كانوا مؤمنين في الظاهر.
ولا طريق للمنافقين لإصلاح شأنهم إلا بالتوبة الشاملة من النفاق، والتوبة عن الكفر أو النفاق مقبولة في كل وقت، فمن تاب عفي عنه، ومن أصر على الكفر أو النفاق عوقب في جهنم. وهذا أمر من أساسيات العقيدة، فلا يصح الهزل أو الهزء في قضايا العقائد، ومثل ذلك في العقود الزواج والطلاق،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي والدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة» .
أما الهزل في بقية العقود كالبيع والإجارة والشركة فلا يترتب عليه أثر، ولا ينعقد العقد في حال الهزل.
المنافقون قوم هدامون لبنية المجتمع
لم يقتصر سوء خلق المنافقين على أنفسهم وتكوينهم القبيح، وإنما تعدى ضررهم وقبح أخلاقهم إلى المجتمع، بقصد هدم بنيته وتقويض وجوده من طريق ترويج الرذيلة والمنكر، ومحاربة الفضيلة والمعروف، وهذا يشبه اتجاه بعض الحركات الهدامة المعاصرة، كالصهيونية في (بروتوكولات حكماء صهيون) . ولا شك بأن الضرر العام أسوأ أثرا من الضرر الخاص، قال الله تعالى مبينا تحركات المنافقين في هدم القيم الإنسانية:
[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» [التوبة: 9/ 67- 70] .
الآيات الكريمة تقرير حاسم بأن الخبيث لا يلد إلا خبيثا، كما أن الطيب لا يلد إلا طيبا، وفي المثل العربي:«إنك لا تجني من الشوك العنب» ومطلع الآيات إخبار وحكم من الله تعالى بأن المنافقين والمنافقات بعضهم يشبه بعضا في الحكم والمنزلة من الكفر، وفي صفة النفاق والبعد عن الإيمان، وفي الأخلاق والأعمال، فهم سلالة خبيثة يأمرون بهدم قيم المجتمع، يأمرون الناس بالمنكر: وهو ما أنكره الشرع ونهى عنه واستقبحه العقل السليم والعرف الصحيح، كالكذب والخيانة ونقض العهد وخلف الوعد، وينهون الناس عن المعروف: وهو كل ما أمر به الشرع وأقره العقل والطبع السليمان كالجهاد وبذل المال في سبيل الله. وأهل النفاق أيضا قوم بخلاء، يقبضون أيديهم عن الإنفاق لمصلحة عامة أو عن الجهاد، وعن كل ما يرضي الله، ونسوا ذكر الله، وأغفلوا تكاليف الشرع، مما أمر الله به ونهى عنه، فنسيهم الله، أي جازاهم بمثل فعلهم، وعاملهم معاملة المنسيين، بحرمانهم من لطفه ورحمته،
(1) يكفون أيديهم عن الخير.
(2)
أهمل توفيقهم وهدايتهم.
(3)
تكفيهم عقابا على كفرهم.
(4)
فتمتعوا بنصيبهم من ملاذ الدنيا. [.....]
(5)
دخلتم في الباطل.
(6)
بطلت وذهب ثوابها.
(7)
أصحاب قرى قوم لوط المنقلبات.
وفضله وتوفيقه في الدنيا، ومن الثواب في الآخرة، إن المنافقين هم الفاسقون، أي الخارجون عن طريق الحق والاستقامة، الوالغون الداخلون في طريق الضلالة، المتمردون في الكفر، المنسلخون عن كل خير.
ثم أكد الله تعالى وعيده السابق للمنافقين بمجازاتهم وضمهم إلى الكفار، فأوعدهم نار جهنم يدخلونها، ماكثين فيها أبدا، وخالدين مع الكفار الأصليين، هي حسبهم، أي كفايتهم في العذاب، ولعنهم الله، أي طردهم وأبعدهم من رحمته، ولهم عذاب دائم مستمر غير عذاب جهنم والخلود فيها.
وأوضح الله تعالى بعدئذ وجود الشبه بين المنافقين والكفار السابقين، فهم مثلهم مغرورون بالدنيا، لكنّ السابقين كانوا أشد من المنافقين قوة، وأكثر أموالا وأولادا، وتمتع الفريقان بملاذ الدنيا، وخاضوا في مشاغلها ولذائذها وحظوظها الزائلة، وشغلوا عن التمتع بكلام الله وهدي أنبيائه، ولم ينظروا في عواقب الأمور، ولم يعملوا على طلب الفلاح في الآخرة، والفرق بين الفريقين أن دواعي الخير توافرت لدى المنافقين، ولكن كانت دواعي الشر عند الكفار السابقين، فكان المنافقون أسوأ حالا من الكفرة السابقين، وأولئك الكفار حبطت وبطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة. وكانوا هم الخاسرين، فيكون المنافقون مثلهم.
ثم وعظ الله المنافقين المكذبين الرسل وأنذرهم بقوله: أَلَمْ يَأْتِهِمْ.. أي ألم تخبروا خبر من كان قبلكم من الأمم المكذبة للرسل وهم قوم نوح الذين أغرقوا بالطوفان وعاد قوم هود الذين أهلكوا بالريح العقيم، وثمود قوم صالح الذين أخذتهم الصيحة وقوم إبراهيم الذين سلبهم الله النعمة وقتل ملكهم النمرود بالبعوضة، والمؤتفكات أصحاب قرى قوم لوط في مدائن الذين أهلكهم الله بالخسف والزلزلة،