الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخزي في الدنيا العذاب الشديد في الآخرة، وذلكم العقاب أو العذاب من الضرب والقتل الذي عجلته لكم أيها الكافرون بسبب معاداتكم الله ورسوله، فذوقوه عاجلا، ولكم في الآخرة عذاب جهنم إن أصررتم على الكفر. والتعبير بذوق العذاب لمعرفة أن ما نالهم في الدنيا من هزيمة وآلام هو يسير بالنسبة للعذاب العظيم المعدّ لهم في الآخرة.
قواعد وتوجيهات حربية
القرآن الكريم دستور المسلمين العام وقانونهم الأساسي في كل شيء، فهو كما اشتمل على أحكام التشريع من عقائد وعبادات ومعاملات، اشتمل أيضا على الأخلاق والآداب الاجتماعية، وعلى التوجيهات الحربية والسلمية، وقواعد القتال بمناسبة معركة بدر الكبرى، مثل الثبات أمام العدو، وتحريم الفرار من الزحف في مواجهة الأعداء إلا لمصلحة حربية، قال الله تعالى:
[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 19]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» [الأنفال: 8/ 15- 19] .
(1) زاحفين نحوكم لقتالكم.
(2)
مظهرا الانهزام ثم يكرّ.
(3)
منضما إليها لقتال العدو.
(4)
رجع متلبسا به.
(5)
لينعم عليهم بالنصر والأجر.
(6)
مضعف. [.....]
(7)
تطلبوا النصر لفئة.
المقصود من هذه الآيات: يا أيها المصدقون بالله ورسوله، إذا اقتربتم من عدوكم حال كونهم زاحفين نحوكم لقتالكم، أي متقابلي الصفوف والأشخاص فلا تفرّوا منهم أبدا، مهما كثر عددهم، وأنتم قلة، بأن كانوا مثلي أو ضعف المؤمنين، واثبتوا لهم وقاتلوهم، فالله معكم عليهم.
لا يجوز الانهزام أمامهم بحال إلا لمصلحة حربية بأن يتحرف المقاتل لقتال، أي يظهر أنه منهزم، ثم يكرّ أو ينعطف عليه مرة أخرى ليقتله، وهذه مكيدة حربية مشروعة، أو يتحيز المقاتل لفئة أخرى من جماعته، أي ينضم لجماعة إسلامية أخرى تؤيده وتساعده، لمقاتلة العدو معا، وما عدا هاتين الحالتين يحرم الفرار من الزحف أمام العدو، ومن يخالف هذا وينهزم، يرجع مصحوبا بغضب الله وسخطه، ومأواه في الآخرة جهنم، وبئس المصير أي المرجع هي. وهذا دليل على أن الفرار من الزحف أمام العدو من كبائر المعاصي، ويؤيده ما
جاء في حديث البخاري ومسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات- أي المهلكات- وذكر منها التولي يوم الزحف» .
ثم أبان القرآن الكريم أمرا مهما في عقيدة الإسلام في القتال ألا وهي أن المقاتلين لا يستقلون بقتل العدو، وإنما الخلق والاختراع في جميع حالات القتل إنما هي لله تعالى، ليس للقاتل فيها شيء، وإنما هو مجرد وسيلة وأداة، فالفعّال الحقيقي هو الله:
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى أي إن افتخرتم بقتلهم في بدر، فأنتم لم تقتلوهم بقوتكم وعدتكم، ولكن الله قتلهم بأيديكم، لأنه هو الذي أنزل الملائكة، وألقى الرعب في قلوبهم، وحقق النصر والظفر لكم.
وسبب نزول هذه الآية: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صدورا (رجعوا) عن بدر، ذكر كل واحد منهم ما فعل، فقال: قتلت كذا، وفعلت كذا، فجاء من ذلك
تفاخر، ونحو ذلك، فنزلت الآية: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ أي إن الله هو المؤثر الحقيقي الفعال في تحقيق النتائج. وأما فعل البشر فهو القيام بالأسباب الظاهرة المقدورة لهم، التي كلفهم بها ربهم، كجميع أفعال العباد الاختيارية. بل وما رميت به أيها النبي مشركي قريش حين رميت في بدر، ولكن الله رماهم.
نزلت هذه الآية حين رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر قبضات من حصى وتراب، رمى بها في وجوه القوم وتلقاءهم ثلاث مرات، وقال المشركون: شاهت الوجوه، فلم يبق عين مشرك إلا دخلها منه شيء.
وتكررت هذه الفعلة أيضا يوم حنين. رمى الله المشركين وقتلهم ليكبتهم، وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا، أي ليعرّف المؤمنين نعمته عليهم من إظهارهم على عدوهم، مع كثرة عدوهم وقلة عددهم، ليعرفوا حقه وفضله، ويشكروا بذلك نعمته، ويصيبهم ببلاء حسن، أي يختبرهم بما حققه لهم من النصر والغنيمة والعزة. إن الله سميع لكل قول، ومنه استغاثتكم ودعاؤكم، عليم بوجه الحكمة في جميع أفعاله، لا إله إلا هو.
ذلكم الأمر المتقدم من قتل الله الأعداء ورميه إياهم لإعلامهم أن الله موهن كيد الكافرين، أي مضعف كيد الكافرين في المستقبل، ومحبط مكرهم وتدبيرهم ومدمر جميع أوضاعهم.
ثم خاطب الله الكفار أهل مكة على سبيل التهكم والسخرية قائلا لهم: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ أي إن تستنصروا وتطلبوا نصر الفئة المحقة على الفئة المبطلة، فقد جاءكم ما سألتم، وتم النصر للأعلى والأهدى، وحدث الهلاك والذلة للأدنى والأضل، ثم حذرهم الله وأنذرهم بأنه إن تنتهوا عن الكفر والتكذيب بالله والرسول، وعداوة النبي، فهو خير لكم في الدنيا والآخرة وأجدى من الحرب التي