الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا ولدت أنثى تركت للنّتاج فلم تذبح، وإذا كان المولود ميتا اشترك فيه- أي في أكله- الذكور والإناث، والله يجزيهم على قولهم ووصفهم الكذب في ذلك، إنه سبحانه حكيم في صنعه وتدبيره، عليم بأفعال وأقوال خلقه.
ثم حكم الله تعالى على المشركين بالخسارة الفادحة حين قتلوا أولادهم ووأدوا بناتهم، سفها أي حماقة وجهلا، خوفا من ضرر موهوم وهو الفقر، وحين حرموا على أنفسهم طيّبات الرزق افتراء وكذبا على الله، إنهم ضلّوا ضلالا واضحا بعيدا عن الحق، ولم يهتدوا إلى الصواب، ولم يرشدوا إلى خير أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة.
الرّد على المشركين لإثبات قدرة الله تعالى
التّشريع في الإسلام منوط بمن يملك القدرة اللامتناهية على خلق الأشياء وإيجادها، وبما أن الله تعالى هو وحده مبدع الكائنات كلها، وصاحب النّعم الجليلة، فهو مصدر التشريع من إباحة وتحريم، وإيجاب ومنع، وليس للبشر الحق في أن يحرّموا أو يحلّلوا ما شاؤوا من غير حجة بيّنة ولا برهان واضح، لذا نبّه القرآن الكريم إلى هذه القضية المهمة الخطيرة، فلما افترى المشركون على الله الكذب، وأحلّوا وحرّموا، دلّهم على قدرته ووحدانيّته تعالى، وأوضح لهم أن الخالق المبدع هو صاحب الحق في التحليل والتحريم، فقال الله عز وجل:
[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)
»
«2»
(1) محتاجه للتّعريش كالكرم.
(2)
مستغنية عنه كالنّخل.
«1» «2» «3» «4» «5» [الأنعام: 6/ 141- 144] .
هذه الآيات تنبيه على مواضع الاعتبار والاتّعاظ، وقد تضمّنت الأمر بفريضة الزكاة على الزروع والثمار،
أخرج ابن جرير الطبري عن أبي العالية قال: كان المشركون يعظّمون شيئا سوى الزّكاة، فنزلت هذه الآية: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
وقال أبو العالية: كانوا يعظّمون يوم الحصاد شيئا سوى الزكاة، ثم تباروا فيه وأسرفوا، فقال الله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ومعنى الآيات أن الله تعالى هو الذي أوجد البساتين والكروم المشجرة، سواء منها المعروش، أي الذي يحمل على عرش وهو السقف الذي يوضع عليه كروم العنب، وغير المعروش: وهو البساتين وما يلقى على وجه الأرض من غراس الشجر في الجبال والصحراء ونحو ذلك، وخلق سبحانه أيضا النّخل والزّرع المختلف الطعم واللون والرائحة والشكل، وخصص الله إيراد النّخل لكثرته عند العرب ولجماله
(1) ثمره في الطعم والجودة والرّداءة.
(2)
ما يحمل الأثقال كالإبل.
(3)
ما يفرش للذّبح كالغنم.
(4)
طرقه وأعماله.
(5)
أمركم الله.
وكثرة منافعه ودوام ورقه، دون سقوط في مختلف الفصول، وأنشأ الله أيضا مع هذا: الزيتون والرّمان متشابها في المنظر وغير متشابه في الأكل والطّعم، وذلك كله مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى وحكمته ووحدانيته في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
بدليل أن التربة واحدة والماء واحد، ويخرج منهما أصناف الأشجار والثمار والزروع من طعام وعسل ومسك ونباتات وأعشاب طبية وغير طبية، وكل ذلك لمنفعة الإنسان وخدمة أغراضه.
فكلوا أيها الناس من ثمر هذه الزروع والبساتين، واشكروا نعمته عليكم بإيتاء الفقراء والمساكين جزءا من الناتج والغلّة يوم الحصاد أو القطاف، وهذه هي الزّكاة المفروضة المطلقة في بدء صدر الإسلام، ثم حددت أصناف الزكاة في آيات مدنية. ولا تسرفوا أيها الناس، فالإسراف خطأ مطلقا ولو في الشيء الحلال، ولا تسرفوا في الأكل، ولا في التّصدق، إنه سبحانه لا يحبّ المسرفين في أي شيء، وإنما يحب التوسط.
وخلق الله لكم من الأنعام أنواعا مختلفة، منه ما يصلح للحمل والعمل والركوب، ومنه الصغار الذي يتخذ فرشا أي يفرش على الأرض للذبح، كلوا مما رزقكم الله، وانتفعوا بلحوم الأنعام وألبانها وأوبارها وشعرها وصوفها، ولا تتبعوا خطوات الشيطان ومزالقه بتحريم ما أحلّ الله، أو إحلال ما حرّم الله، فإن الشيطان عدوّ ظاهر العداوة للإنسان.
وهذه الأنعام ثمانية أصناف وأزواج وهي الإبل والبقر والغنم والمعز، وكل منها ذكر وأنثى: كبش ونعجة، وتيس وعنزة، وجمل وناقة، وثور وبقرة.
فما الذي حرّم الله عليكم أيها المشركون: أحرّم الذّكرين من الجمل والثور أم حرّم الأنثيين من الناقة والبقرة أم حرّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين؟ لم يحرّم الله