الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قتال مشركي العرب وأمانهم
أوجب الله تعالى على المؤمنين قتال مشركي العرب في أي مكان إذا لم يؤمنوا لأنهم عدة الإسلام وقاعدته، ومنطلق الدعوة الإسلامية إلى الناس قاطبة وعليهم مسئولية تبليغ الرسالة الإلهية، فإما أن يكونوا على مستوى المسؤولية أو يبادوا، ويتحمل الأمانة جيل آخر يكون أقدر على فهم الواجب والتفاعل مع متطلبات المهام الكبرى المنوطة بهم، وقد فتح الله باب الأمل أمامهم، فسمح لهم بالمجيء إلى ساحة القرآن والوحي الإلهي ليفكروا فيما أنزل الله، عن طريق منح الأمان المشروع لكل طالب سماع كلام الله، قال الله تعالى مبينا هذين الحكمين المتلازمين: وهما القتال والأمان:
[سورة التوبة (9) : الآيات 5 الى 6]
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)
«1» «2» «3» [التوبة: 9/ 5- 6] .
تسمى الآية الأولى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ.. آية السيف، إذ جاء فيها الأمر بالقتال العام، ومعناها إذا انقضت الأشهر الأربعة الحرم، أي التي حرم فيها القتال بين المسلمين والمشركين، وهي مدة الهدنة، من يوم النحر (الأضحى) إلى العاشر من ربيع الآخر، فافعلوا أيها المؤمنون مع المشركين ما يحقق المصلحة، ويهيئ للمسؤولية والمهام العظمى الملقاة على عاتق الأمة العربية، واتّخذوا معهم أحد التدابير الآتية:
إما القتال والقتل في أي مكان وجدوا فيه، من حرم مكة أو غيره، وإما أخذهم أسرى إن شئتم، وإما محاصرتهم في قلاعهم وحصونهم ومنعهم من الخروج منها حتى
(1) انقضت ومضت.
(2)
حاصروهم وضيقوا عليهم.
(3)
كل طريق ومعبر.
يسلموا، وإما القعود لهم في كل مرصد، أي مراقبتهم في كل موضع حتى يختاروا إما الإسلام أو القتال، وهذا خاص بمشركي العرب فقط. فإن تابوا عن الشرك الذي حملهم على قتال المسلمين وعداوتهم، وأعلنوا الإسلام وأدوا أركانه من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فخلّوا سبيلهم، واتركوهم وشأنهم واعلموا أن الله غفور لمن استغفره، رحيم بمن تاب إليه، وهذا وعد بالمغفرة في صيغة الخبر عن أوصافه تعالى، لمن تاب وآمن وعمل صالحا.
والتنبيه بالذات على إقامة الصلاة، لأنها أشرف أركان الإسلام الذاتية بعد الشهادتين، وبعدها أداء الزكاة التي هي أشرف الأفعال الاجتماعية، التي تحقق مضمون التكافل أو التضامن الاجتماعي، وتعالج مشكلة الفقر، حتى تتقوى الأمة كلها. قال أنس بن مالك: هذا هو دين الله الذي جاءت به الرسل، وهو من آخر ما نزل قبل اختلاف الأهواء،
وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه والحاكم عن أنس: «من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راض» .
وليست العلاقة مع البلاد الإسلامية مغلقة، تحكم من وراء ستار حديدي، وإنما هي مفتوحة، فمطالبة المشركين بعد انتهاء مهلة الهدنة أو الأمان مدة أربعة أشهر بالإسلام أو القتال، لا تعني عدم تمكين المشركين من سماع أدلة الإيمان، فلو طلب أحد من المشركين الدليل على الإيمان والحجة على الإسلام، أو جاء طالبا استماع القرآن، أو جاء برسالة أو سفارة لإمام المسلمين، أو أراد الدخول بقصد التجارة، فإنه لا يمنع ويجب إمهاله، ويحرم قتله، ويسمح له بالتنقل في ديار الإسلام، ويجب بعد انتهاء مدة أمانه إيصاله إلى مأمنه، أو دياره ووطنه، ليكون على بيّنة من أمره، مختارا حرا فيما يقرره لأن المهم نشر الدعوة الإسلامية بالطرق السلمية، وبالإقناع