الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناد قوم موسى عليه السلام
استمرت مظاهر العناد وألوان المخالفة والتمرد والعصيان بين قوم موسى، ولم يقتصر ذلك على جحود النعم الإلهية، وظلم أنفسهم، وترك شكران المنعم المتفضل عليهم، وإنما تمادوا في الرفض وإهمال الأوامر الإلهية، سواء ما كان منها متعلقا بحقوق الله تعالى أو المصلحة العامة، أو تعلق بحقوق العباد الشخصية، لتطهير النفوس وصقلها وجعلها صافية كالمرآة، فكانوا بهذا الجحود والعناد أهلا لنزول العذاب عليهم بسبب ظلم أنفسهم، قال الله تعالى:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 161 الى 162]
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (162)
«1» «2» [الأعراف: 7/ 161- 162] .
إن عالم الدنيا عالم ابتلاء واختبار لأهل الإيمان، يختبر الله تعالى عباده بألوان مختلفة من البلايا، إما في مجال النعمة، فيغدقها عليهم، وإما في مجال النقمة أو المحنة، فيسلطها عليهم، ليعرف المؤمن والكافر، والطائع والعاصي، والساخط والصابر، وهذا أنموذج من اختبارات بني إسرائيل.
يذكّر الله تعالى بني إسرائيل المعاصرين لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام بما حصل من أسلافهم، وهم في الواقع ملومون مثل أصولهم لرضاهم بأفعال السلف، وإقرارهم بما صنعوا، ولو أمروا بمثل تلك الأوامر لخالفوا وعصوا مثل أسلافهم، أمرهم الله تعالى بأن يدخلوا قرية من القرى أي مدينة، والعرب تسمي المدينة قرية،
(1) أي حطّ عنا ذنوبنا.
(2)
عذابا.
داعين الله أن يغفر ذنوبهم، ومظهرين الخضوع والخشوع لله تعالى قائلين: حِطَّةٌ أي أمرنا حطة، والمعنى: حط عنا أوزارنا وخطايانا، ووعدهم الله على الطاعة بشيئين: الغفران وزيادة الإحسان. قال الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس: 10/ 26] أي الجنة والنظر لوجه الله تعالى الكريم.
أمرهم الله أن يسكنوا القرية، والسكنى أخص من الدخول، فمن يسكن يدخل قطعا، ولا عكس. والدخول لأجل الأكل يعقبه الأكل، والمراد الإذن بالانتفاع بخيرات المدينة أو القرية، حيث شاؤوا، حضرا أو سفرا، ليلا ونهارا. ولكن طبيعة الإسرائيليين الغريبة التي يغلب عليها العصيان والتمرد، أبت عليهم إلا تحدي الأمر الإلهي والتنكر له، والتجرؤ على المخالفة بالقول والفعل، فقالوا وهم داخلون إلى القرية:«حبّة في شعرة» أو «حنطة في شعيرة» بدل حِطَّةٌ وزحفوا على أستاههم (أدبارهم) بدل تنكيس رؤوسهم وخشوعهم وتواضعهم لله، شكرا على نعمه عند دخول القرية، والتنعم بخيراتها من طعام وفاكهة وشراب.
وبدّل القوم الظالمون أنفسهم القول غير القول الذي قيل لهم. ومعنى (بدل) غير اللفظ دون أن يذهب بجميعه، وأبدل: إذا ذهب وجاء بلفظ آخر.
والمراد قول بني إسرائيل: «حبة في شعرة أو حنطة في شعيرة» فكانت النتيجة أن الله تعالى صب عليهم عذابا من السماء صبا، بسبب ظلمهم أنفسهم وغيره، وبسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى، إلى طاعة أهوائهم وشياطينهم، ولسخريتهم من أوامر الله تعالى.
لقد أمر قوم موسى بدخول قرية في الأرض المقدسة، وقتال أهلها من العمالقة وإخراجهم منها، فتمردوا على الأمر الإلهي، وردوا على موسى عليه السلام فابتلوا بالتشرد والضياع أربعين سنة في صحراء التيه.