الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم الله، ولأنهم الذين ينتفعون بتلك المواعظ. ثم أمر الله تعالى بأن يعمل أهل الإنجيل بالأحكام التي أنزلها الله فيه، ومن لم يحكم بما جاء في الإنجيل فأولئك هم الفاسقون، أي المتمرّدون الخارجون عن حكم الله وشرعه.
شريعة القرآن
الشرائع الإلهية حلقة متصلة الروابط، متكاملة متساندة فيما بينها، يؤكد بعضها بعضا، ويكمل آخرها أولها، لتتآزر فيما بينها وبين أتباعها على تحقيق مراد الله تعالى فيما يحقق المصالح ويدفع المضارّ والمفاسد، وينقل الناس إلى ما هو الأفضل والأمثل بحسب مقتضيات الحاجة ومراعاة قانون التطور ومنجزات الحضارة والتقدم، لذا جاء القرآن الكريم مؤيدا ما سبقه من التوراة والإنجيل، فقال الله تعالى مخاطبا نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم:
[سورة المائدة (5) : الآيات 48 الى 50]
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
«1» «2» «3» «4» [المائدة: 5/ 48- 50] .
نزلت آية وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ.. في جماعة من اليهود، قال ابن
(1) رقيبا مؤتمنا عليها.
(2)
شريعة وطريقا واضحا في الدين.
(3)
ليختبركم.
(4)
يصرفوك.
عباس: قال كعب بن أسيد، وعبد الله بن صوريا، وشاس بن قيس: اذهبوا بنا إلى محمد، لعلنا نفتنه عن دينه، فجاءوه، فقالوا: يا محمد، إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم، وأنا إن اتّبعناك اتّبعتنا يهود، ولم يخالفونا، وأن بيننا وبين قومنا خصومة، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن بك، فأبى ذلك، وأنزل الله فيهم: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ.. إلى آخر الآية وما بعدها وهي قوله: لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
ومعنى الآيات الكريمات: وأنزلنا إليك أيها النّبي القرآن الكريم الذي أكملنا به الدين، مشتملا أو متضمّنا الحقائق من الأمور، وهي تمثل الحق في نفسه، وصلاح العباد جميعا، والقرآن مصدق ومؤيد ما تقدمه من الكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل والزبور، وهو أيضا مهيمن عليها، أي حاكم عليها، وشاهد لها وعليها ومبيّنا حقيقة ما جاء فيها وما طرأ عليها، فهو أمين مؤتمن عليها.
وإذا كان هذا شأن القرآن ومنزلته، فاحكم يا محمد ومن جاء بعدك بما أنزل الله إليك فيه من الأحكام، دون ما أنزله إليهم، ولا تتبع أهواءهم، أي آراءهم التي اصطلحوا عليها، ولا تعدل عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهواء وشهوات أولئك الذين يريدون الميل عما أنزل إليك، والعدول عن حكم الرجم والقصاص في القتلى.
فلكل أمة من الأمم جعلنا شريعة أوجبنا عليهم إقامة أحكامها، ومنهاجا وطريقا واضحا فرضنا عليهم سلوكه، بحسب مراعاة الأحوال والأوضاع والتطورات، وهذا كله في الأحكام الفرعية، وأما في المعتقد فالدين واحد لجميع العالم، توحيد وإيمان بالبعث (اليوم الآخر) وتصديق للرّسل، والله قادر على جعل الناس على ملّة واحدة أو دين واحد، ولكنه تعالى شرع لكل رسول شريعة على حدة بحسب عصره وزمانه، وأراد الله اختبار العالم فيما شرع لهم من الشرائع.
وإذا كان الأمر كذلك، فسارعوا أيها الناس إلى الخيرات، أي الطاعات وجدّوا في التسابق في الأعمال الصالحات، لخيركم وصلاحكم وإنقاذكم، ولإحراز الفضل والرضا الإلهي، والبدار البدار فإنه إلى الله معادكم ومصيركم، يوم القيامة، فيخبركم إخبار إيقاع بما كنتم تختلفون فيه من الحق، وسيجازيكم عليه كله، وحينئذ يظهر الله الثواب والعقاب. وقوله تعالى: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ آية بارعة الفصاحة، جمعت المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، كسائر كتاب الله تعالى.
ثم أكّد الله تعالى لنبيّه الأمر بالحكم بما أنزل الله، فقال: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ.. أي اقض بما أمر الله به، ولا تتبع أهواء المعاندين أو المعارضين فيما يخبرونك من أمور، ويقترحون من حلول، واحذر أيها النّبي أن يفتنك أعداؤك عن بعض ما أنزل الله إليك، أي يميلوا بك من الحق إلى الباطل، فإن تولوا وأعرضوا عما تحكم به من الحق، وخالفوا شرع الله، فلا تبال بهم، واعلم أن الله يريد أن يعذّبهم في الدنيا قبل الآخرة على ذنوبهم ومعاصيهم وتركهم أحكام الشريعة، ولا غرابة في ذلك فكثير من الناس لفاسقون، أي خارجون عن حدود الحق والدين والعقل الرشيد.
والعجب كل العجب من هؤلاء الذين يريدون إحياء فوضى الجاهلية والأخذ بالثأر وترك الدين الحق والحكم العادل في القصاص وعقاب الزّناة والتمييز الطبقي وإضاعة الحقوق وإشاعة الجور والظلم وحماية المجرمين، ولا حكم أعدل من حكم الله لقوم يدركون الحق، ويوقنون أنه لا أعدل من الله، ولا أحسن حكما من شرعه القويم.