الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدم قول من يشهد له العرف، فالعرف في السلع، كاللحوم، والبقول والأبزار، والثياب الحلول. والعرف في العقار التأجيل، وهذا هو المشهور من مذهب المالكية
(1)
.
دليل من فرق بين كون السلعة قائمة فيتحالفان، أو فائتة فيحلف المشتري
.
الدليل الأول:
أن المتبايعين في حال قيام السلعة يمكن ردهما إلى حالة ما قبل التعاقد، فالواجب أن يتفاسخا بعد أن يتحالفا، وذلك أن الشرط الجعلي (اشتراط لأجل ونحوه) يكون المشتري قد زاد في الثمن الذي سيشتري به في مقابل انتفاعه بالتأجيل أو التقسيط، وبالتالي تكون الدعوى فيه كالدعوى في الثمن ذاته.
أما في حال فوات السلعة فلا يمكن ردهما إلى ما قبل التعاقد، ولهذا قلنا: القول قول المشتري إن ادعى أجلًا قريبًا، والمالكية يطردون هذا في كل شيء قريب، فمثلًا: إذا اشترط الخيار لمدة معلومة، فرد المبيع بعد انتهاء الخيار بيوم أو يومين، فإنهم يجيزون ذلك باعتبار أن الموعد وإن تأخر عن الحد المتفق عليه، فهو قريب، وليس بعيدًا
(2)
،
وكذلك لما أجمع العلماء على أن عقد السلم
(1)
الشرح الكبير (3/ 191)، الشرح الصغير (3/ 253)، مواهب الجليل (4/ 510 - 511)، حاشية العدوي على الخرشي (5/ 198 - 199)، التمهيد (24/ 298)، هذا هو المشهور من مذهب مالك، وفي المذهب أقوال أخرى: انظر الذخيرة (5/ 321) القوانين الفقهية (ص: 164)، الفواكه الدواني (2/ 228)، الثمر الداني شرح رسالة القيرواني (ص: 607)، جامع الأمهات (ص: 369)، التاج والإكليل (4/ 513)، شرح ميارة (2/ 26).
(2)
جاء في المدونة (4/ 198): «قلت: ما قول مالك في رجل باع سلعة على أن المشتري بالخيار ثلاثة أيام، فقبض المشتري السلعة، فلم يردها حتى مضت أيام الخيار، ثم جاء بها يردها
…
أيكون له أم لا؟ قال: إن أتى بها بعد مغيب الشمس من آخر أيام الخيار، أو من الغد، أو قرب ذلك، بعدما مضى الأجل رأيت أن يردها، وإن تباعد ذلك لم أر أن يردها». وانظر: المنتقى للباجي (5/ 59)، و التاج والإكليل (6/ 313)، مواهب الجليل (4/ 425).
وقال ابن عبد البر في التمهيد (14/ 30): «جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق يقولون: إن مدة الخيار إذا انقضت قبل أن يفسخ من له الخيار في البيع، تم البيع، ولزم به، وبه قال المتأخرون من الفقهاء أيضًا: أبو ثور وغيره إلا أن مالكًا قال: إذا اشترط المشتري لنفسه الخيار ثلاثًا، فأتى به بعد مغيب الشمس من آخر أيام الخيار، أو من الغد، أو قرب ذلك، فله أن يرد، وإن تباعد ذلك لم يرد، وهو رأي ابن القاسم» .
كما أن مالكًا رحمه الله منع أن يشترط في الخيار: إن غابت الشمس من آخر أيام الخيار لزم البيع. جاء في المدونة (4/ 198): «قلت لمالك - والقائل ابن القاسم -: الرجل يشتري الثوب، أو السلعة على أنه بالخيار اليومين والثلاثة، فإن غابت الشمس من آخر أيام الخيار، ولم يأت بالثوب إلى آخر الأجل لزم المبتاع البيع؟
قال: قال مالك: لا خير في هذا البيع، ونهى عنه». وانظر مواهب الجليل (4/ 416).
لا بد فيه من تقديم رأس المال (الثمن) أجاز المالكية تأخير التسليم يومًا أو يومين؛ ولم يروا في ذلك مخالفة للإجماع على وجوب تسليم الثمن، لأن أجل التأخير قريب، فإذا كان الأجل الذي يدعيه المشتري قريبًا فإنه في حكم الحال عندهم، فيقبل قول المشتري.
ويستدل المالكية لعموم قاعدتهم هذه بالقاعدة التي تقول: «ما قارب الشيء له حكمه»
(1)
.
قال ابن رشد: «هذه القاعدة كثيرًا ما يذكرها الفقهاء، ولم أجد دليلًا يشهد لعينها، فأما إعطاؤه حكم نفسه، فهو الأصل، وأما إعطاؤه حكم ما قاربه، فإن
(1)
الذخيرة للقرافي (5/ 366)، قواعد المقرئ (1/ 287، 313)، الموافقات (1/ 418)، مواهب الجليل (2/ 65)، شرح الزرقاني (2/ 131).