الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
الإقالة بصيغة الماضي
[م-681] لم يختلف العلماء أن الإقالة تنعقد بلفظ الماضي، كأن يقول أحدهما: أقلت البيع، فيقول الآخر: قبلت.
قال الكاساني في بدائع الصنائع: «لا خلاف أنه ينعقد بلفظين يعبر بهما عن الماضي، بأن يقول أحدهما: أقلت. والآخر: قبلت، أو رضيت، أو هويت، أو نحو ذلك»
(1)
.
وجاء في روضة الطالبين: «وصيغتها - يعني الإقالة - تقايلنا، أو تفاسخنا، أو يقول أحدهما: أقلتك، فيقول الآخر: قبلت، وما أشبه ذلك»
(2)
.
وسبب الاعتداد بالماضي مطلقًا دلالة صيغته على الحال، فالفعل الماضي يدل على تحقق الوقوع، وذلك أنسب في الدلالة على إنشاء العقد حيث يدل على أن صاحبه قد تخطى مرحلة التفكير والتردد، والمفاوضة والمساومة إلى مرحلة الجزم والقطع والبت والحسم.
فإن قيل: إن الماضي أقلتك، أو تقايلنا، أو تفاسخنا صيغ للإخبار عن الماضي، فهو خبر، وليس إنشاء وإحداثًا.
قيل: وإن كانت صيغة الماضي صيغة إخبارية إلا أن المراد به الإنشاء قطعًا، لأن الرجل إذا قال: أقلتك لو كان يقصد الإخبار لكان كاذبًا حيث لم يقع التوافق والتراضي على الإقالة إلى الآن، فالإنشاء هو المتبادر إلى الذهن،
(1)
بدائع الصنائع (5/ 306)، الفتاوى الهندية (3/ 157).
(2)
مغني المحتاج (2/ 65)، حواشي الشرواني (4/ 377).
والنكتة في هذا أن الماضي إذا سيق للإنشاء يكون من باب التوكيد على تحقق الفعل، وكون الفعل في إيجاده وتحقق وقوعه واقعًا كالماضي مستعمل في كتاب الله تعالى، قال تعالى:{ونفخ في الصور} [يس: 51]
فعبر عن النفخ بالصور بصيغة الماضي للتوكيد على أن ذلك واقع لا محالة.
ولذلك لا تجد في نفسك أن رجلًا لو قال لامرأته:" أنت طالق " أنه يحسن تصديقه أو تكذيبه، باعتبار الصيغة خبرية، وإنما يدرك بالضرورة أن الجملة إنشائية.
فالعرف يقتضي أن يكون الماضي تعبيرًا صريحًا عن الإنشاء وإحداث العقد.
يقول الكاساني: «هذه الصيغة وإن كانت للماضي وضعًا لكنها جعلت إيجابًا للحال في عرف أهل اللغة والشرع، والعرف قاض على الوضع»
(1)
.
* * *
(1)
بدائع الصنائع (5/ 133)، وانظر تحفة الفقهاء (2/ 29)، شرح فتح القدير (6/ 249).