الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استدل الظاهرية بما رواه مسلم من طريق سعد بن إبراهيم، عن القاسم ابن محمد، قال:
أخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد
(1)
.
ومعنى رد: أي مردود عليه.
وأن الأصل في النهي يقتضي فساد المنهي عنه. والله أعلم.
هذا ملخص الأقوال في المسألة، وأدلتها، ومن قال: له الخيار، يعني: إما أن يمسك السلعة أو يردها، وليس له المطالبة بالأرش مع الإمساك، كما ذهب إلى ذلك الحنابلة في خيار العيب
(2)
.
الراجح:
القول بعدم ثبوت الخيار قول قوي جدًا إلا أن القول بثبوت الخيار أقوى، لأن البيع قائم على العدل، والعدل ألا يقع البائع والمشتري تحت طائلة الاستغلال، وإذا ثبت الخيار في تلقي الجلب وفي زيادة الناجش كانت الغاية من ذلك حتى لا يقع الجالب ونحوه تحت طائلة استغلال المشتري لجهل الجالب بسعر السوق، وإذا ثبت الخيار في تلقي الجلب كان الغبن في غيره مقيسًا عليه، ولا فرق، وإذا كان اشتراط عدم الغبن يمنع من صحة البيع إذا كان هناك غبن،
(1)
صحيح مسلم (1718).
(2)
دليل الطالب (1/ 110)، مجلة الأحكام الشرعية، مادة (413).
فإن الشرط العرفي كالشرط اللفظي، فإن كل متعاقدين لا يرضى أحدهما أن يكون مغبونًا، ولو علم بالغبن لما أجرى العقد، وإذا لم يكن راضيًا بالغبن لم يتحقق شرط البيع: وهو التراضي بين المتعاقدين
(1)
.
* * *
(1)
وإذا عرفنا ذلك لدى الفقهاء نستعرض حكم الغبن لدى أهل القانون، فالقانون الروماني لم يهتم بحكم الغبن في العقود إلا بالنسبة للقاصر، ثم صار يأخذه بعين الاعتبار في حالات استثنائية كبيع العقار إذا لم يحصل البائع على نصف قيمة العقار، وكذلك في القسمة.
وفي القرون الوسطى اهتم رجال الدين النصراني (المسيحي) بالغبن اهتمامًا كبيرًا، فأوجبوا أن يكون العوض الذي يدفعه المتعاقد عادلًا، ولكيلا يؤدي ذلك إلى اضطراب المعاملات فقد وضع حد أعلى لا يجوز للبائع أن يتجاوزه، وحد أدنى لا يجوز للمشتري أن يدفع أقل منه، ولتطبيق هذه المبادئ وجد فقهاء القانون الكنسي أنفسهم مضطرين إلى تسعير الأشياء.
ولما جاءت الثورة الفرنسية وقامت على حماية الفرد، وإعلان حقوق الإنسان أطلقت حرية التعاقد وسلطان الإرادة، ولم تحرم الغبن حتى في بيع العقار، بل لم تضع حدًا أعلى للفائدة، وقد تأثر القانون المدني الفرنسي بما جاءت به الثورة الفرنسية، فجاءت نصوصه غير وافية في هذه المسألة، وتأثر القانون المدني المصري القديم بهذه النظرية إلا في حالات استثنائية خاصة نص عليها القانون، ثم أخذت القوانين المادية بالتطور فأخذت بنظرية ما يسمونه بالاستغلال، كالتقنين الألماني، إذ تنص المادة (138) منه على أنه «يعتبر باطلًا بنوع خاص كل تصرف قانوني يستغل فيه الشخص حاجة الغير، أو طيشه، أو عدم خبرته؛ ليحصل لنفسه أو لغيره في نظير شيء يؤديه على منافع مادية تزيد على قيمة هذا الشيء بحيث يتبين من الظروف أن هناك اختلالًا فادحًا في التعادل بين قيمة تلك المنافع وقيمة هذا الشيء» وفي قانون الالتزامات السويسري الشيء نفسه، انظر مادة (21) منه، وكذلك صار المشرع العربي إلى ما ذهب إليه المشرع الغربي، فنصت المادة (129) مدني مصري وليبي، والمادة (130) مدني سوري، (213) موجبات وعقود لبناني، والمادة (126) كويتي، والمادة (125) مدني عراقي، والمادة (115) مدني سوداني.
وفيه فرق بين الغبن والاستغلال:
أولًا: الغبن: مظهر مادي يثبت فيه التفاوت بين قيمة الشيء وبين ثمنه في السوق بصرف النظر عن حالة العاقد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أما الاستغلال: فهو أمر نفسي لا يعتبر الغبن إلا مظهرًا ماديًا له، فهو عبارة عن استغلال أحد المتعاقدين لحالة الضعف التي يوجد فيها المتعاقد والتي أثرت على إرادته، والتي يمكن إلحاق مذهب المالكية والحنابلة في الاستغلال في حال المسترسل.
ثانيًا: الغبن مقصور على عقود المعاوضات خاصة، فعقود التبرعات لا محل للكلام فيها على الغبن. وأما الاستغلال فيشمل جميع العقود.
يقول القانون المدني العراقي في مادته (125): «إذا كان أحد المتعاقدين قد استغلت حاجته أو طيشه أو هواه أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه فلحقه من تعاقده غبن فاحش جاز له في خلال سنة من وقت العقد أن يطلب رفع الغبن عنه إلى الحد المعقول، فإذا كان التصرف الذي صدر منه تبرعًا جاز له في هذه المدة أن ينقضه» .
فنص القانون العراقي على دخول الاستغلال عقد التبرع، كما نص على ذلك القانون السوداني، انظر مادته (115).
وإذا عرفنا الاستغلال في القوانين الأجنبية والعربية، فنستعرض بإيجاز شديد جزاء الاستغلال إذا وقع في العقد.
ففي القانون الألماني جعل الجزاء هو البطلان المطلق، وهذا ما أخذ به القانون اللبناني.
وأما القانون السويسري والفرنسي والإيطالي فجعل الجزاء هو الإبطال أو الإنقاص، وهذا ما أخذ به القانون المصري والسوري والليبي والسوداني، وأما القانون العراقي فالجزاء فيه هو رفع الغبن إلى الحد المعقول إذا كان التصرف معاوضة، ونقض التصرف إذا كان تبرعًا.
فالطرف الذي وقع عليه الاستغلال له أن يطالب بإبطال العقد، وللقاضي أن يجيبه إلى الإبطال، أو يقوم القاضي بإنقاص التزامات المغبون إلى الحد الذي يرفع فيه الغبن الفاحش، وللقاضي في هذه الحال سلطة تقديرية يهتدي فيها بظروف الدعوى، ولا رقابة عليه في ذلك.
وفي القانون المصري والسوري والليبي يجوز للطرف المستغل في عقود المعاوضة أن يتوقى دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافيًا لرفع الغبن، وليس معنى ذلك أنه يشترط التعادل بين الثمن وقيمة المبيع، بل المقصود أن تكفي الزيادة في الثمن لأن تزيل الغبن الفاحش، والمسألة مرجعها إلى تقدير القاضي.
وفي القانون السوداني: يجوز للطرف المستغل في جميع الأحوال: أي في المعاوضات والتبرعات أن يتوقى دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافيًا لرفع الغبن، هذا ما تنص عليه المادة (115) مدني سوداني. =