الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
الإقالة قبل قبض المبيع
[م-667] سبق لنا الخلاف في حكم بيع الشيء قبل قبضه، فهناك من يمنع بيع كل شيء قبل قبضه، كما هو مذهب الشافعية.
وهناك من يمنع بيع المنقول قبل قبضه بخلاف العقار، كما هو مذهب الحنفية.
وهناك من يمنع بيع الطعام المكيل أو الموزون قبل قبضه، ويجيز بيع الجزاف قبل قبضه، وهو المشهور من مذهب المالكية، والحنابلة. وقد سبق تحرير ذلك ومناقشته، وبيان الراجح.
فمن رأى أن الإقالة فسخ، لم يمنع من الإقالة قبل قبض المبيع، ولا بيع المقال فيه قبل قبضه.
وهذا ما ذهب إليه أكثر الحنفية
(1)
، ومذهب الشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
(1)
حاشية ابن عابدين (5/ 127)، المبسوط (25/ 167)، بدائع الصنائع (5/ 307)، درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 238)، وجاء في الجوهرة النيرة (1/ 208):«لو كان كيليًا أو وزنيًا، وقد باعه مكايلة، أو موازنة، فتقايلا، واسترد البائع المبيع من غير كيل، ولا وزن، صح قبضه، ولو كان بيعًا لما صح قبضه بغير كيل ولا وزن .... » . وفي الفتاوى الهندية (3/ 159): «وتجوز الإقالة في المكيل من غير كيل
…
» ..
(2)
قال النووي في الروضة (3/ 495): «وفي كونها فسخًا أو بيعًا قولان، أظهرهما: فسخ .... ولو تقايلا في الصرف، وجب التقابض في المجلس إن قلنا: بيع، وإلا فلا» ، وانظر أسنى المطالب (2/ 74).
(3)
قال ابن قدامة في المغني (4/ 96): «إن قلنا: هي فسخ جازت قبل القبض وبعده، وقال أبو بكر: لا بد فيها من كيل ثان، ويقوم الفسخ مقام البيع في إيحاب كيل ثان، كقيام فسخ النكاح مقام الطلاق في العدة، ولنا أنه فسخ للبيع فجاز قبل القبض، كالرد بالعيب، والتدليس، والفسخ بالخيار
…
وفارق العدة، فإنها اعتبرت للاستبراء، والحاجة داعية إليه في كل فرقة بعد الدخول بخلاف مسألتنا». وانظر قواعد ابن رجب (ص: 379).
قال النووي: «لو باع سلعة، وتقابضا، ثم تقايلا وأراد البائع بيعها قبل قبضها من المشتري فالمذهب صحته قال صاحب البيان: قال أصحابنا البغداديون: يصح بيعه قطعًا لأنه ملكها بغير عقد وقال صاحب الإبانة: هل يصح بيعها؟ فيه قولان بناء على أن الإقالة بيع أو فسخ
…
»
(1)
.
وقال السيوطي: «إذا تقايلا في عقود الربا يجب التقابض في المجلس بناء على أنها بيع، ولا يجب بناء على أنها فسخ، وهو الأصح»
(2)
.
وأما من رأى أنها بيع، فذهب إلى المنع فيما لا يصح بيعه قبل قبضه، حسب مذهبه في التصرف في المبيع قبل قبضه.
فمنع أبو يوسف في أحد قوليه الإقالة في المنقول قبل قبضه، بناء على اختياره في المنع من بيع المنقول قبل قبضه
(3)
.
ومنع المالكية من الإقالة في عقد الصرف إلا مع التقابض قبل التفرق
(4)
.
(1)
المجموع (9/ 325).
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 172)، وانظر أسنى المطالب (2/ 74).
(3)
بدائع الصنائع (5/ 307) وهذا أحد القولين عن أبي يوسف، وهناك قول عنده يرى أن الإقالة بيع إلا إذا تعذر حملها على البيع كما في الإقالة في المنقول قبل قبضه، فيعتبرها فسخًا لتعذر حملها على البيع.
(4)
جاء في المدونة (4/ 69): «أرأيت إن صارفت رجلًا، ثم لقيته بعد ذلك، فقال: أقلني من الصرف، فدفعت إليه دنانيره، وافترقنا قبل أن أقبض دراهمي قال: لا يجوز هذا عند مالك» . وانظر التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (4/ 485)، حاشية الدسوقي (3/ 155)، ومع أن المالكية اعتبروا الإقالة بيعًا مستأنفًا إلا أنهم في الإقالة من بيع الطعام إن وقعت بمثل الثمن الأول اعتبروها فسخًا، كما سبق الإشارة إليه عند تحرير مذهبهم، وهذا من المآخذ عليهم، لأنها إما أن تكون بيعًا، أو تكون فسخًا، أما اعتبارها بيعًا في حال، وفسخًا في حال فهذا من التناقض، والله أعلم. انظر منح الجليل (5/ 253).
وقد رجحنا أن الإقالة هي من قبيل الفسخ، وليست بيعًا مستأنفًا، والله أعلم.
* * *