الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
فسخ البيع بسبب الاختلاف بين المتعاقدين
العقد الذي اختلف فيه المتبايعان، ولم يكن لأحدهما بينة توجب قوله، فإن ذلك الاختلاف قد يوجب فسخ العقد في الجملة، وحين نقول في الجملة؛ لأن الاختلاف الواقع بين العاقدين يأخذ أحكامًا مختلفة، فهناك من الاختلاف ما يكون القول فيه للبائع، وهناك من الاختلاف ما يكون القول فيه للمشتري، وهناك من الاختلاف ما يوجب تحالف المتعاقدين، ثم يفسخ العقد إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر، والقول بالفسخ تجده قولًا ضمن أقوال كثيرة في المسألة الواحدة، فالذي يريد أن يقف على مسائل الفسخ الذي يوجبها اختلاف المتعاقدين يجب عليه أن يراجع مسائل اختلاف المتعاقدين مسألة مسألة، وقد تم بحثها ولله الحمد والمنة، وإنما أسوق لك أمثلة تدل على المقصود.
المثال الأول: الاختلاف في صفة العقد
.
[م-655] إذا اختلف المتعاقدان في صفة العقد، كأن يدعي أحدهما أن العقد على البت واللزوم، ويدعي الآخر أن العقد فيه خيار، فمذهب الشافعية
(1)
، ورواية عن أحمد
(2)
يرون أنهما يتحالفان، ثم يفسخ البيع. فبناء على هذا القول يكون الاختلاف في هذه المسألة مما يوجب الفسخ.
(1)
الحاوي الكبير (5/ 299)، التنبيه (ص: 96)، المهذب (1/ 294)، روضة الطالبين (3/ 577)، أسنى المطالب (2/ 114).
(2)
انظر: المغني (4/ 140)، الكافي (2/ 105)، المحرر (1/ 332)، الإنصاف (4/ 454 - 455).
بينما يرى الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والمشهور من مذهب الحنابلة
(3)
، أن القول قول المنكر مع يمينه.
وقال أشهب من المالكية: القول قول مدعي الخيار
(4)
.
وبناء على هذين القولين الأخيرين لا يكون هذا الاختلاف موجبًا للفسخ.
وقد ذكرنا أدلة الأقوال في مباحث اختلاف المتبايعين.
مثال آخر: الخلاف في وجود أجل في عقد البيع.
[م-656] إذا اختلف المتبايعان في اشتراط الأجل، فأحدهما يدعي أن الثمن مؤجل، والآخر يقول: بل حال، فقد اختلف الفقهاء:
فمذهب الشافعية
(5)
،
(1)
البحر الرائق (7/ 220 - 221)، المبسوط (13/ 59)، تبيين الحقائق (4/ 306)، حاشية ابن عابدين (7/ 471)، تكملة فتح القدير (8/ 211)، الفتاوى الهندية (4/ 33)، تنقيح الفتاوى الحامدية (1/ 244).
(2)
الذخيرة (5/ 328) القوانين الفقهية (ص: 164)، وأشارا إلى أنه قول ابن القاسم، وانظر: الشرح الكبير (3/ 193)، الفواكه الدواني (2/ 228)، الثمر الداني شرح رسالة القيرواني (ص: 607)، جامع الأمهات (ص: 369)، التاج والإكليل (4/ 513)، شرح ميارة (2/ 26)، الخرشي (5/ 200)، الشرح الصغير (3/ 256)، واستثنى المالكية فيما إذا جرى عرف في موضع أن هذه السلعة المبيعة لا تباع إلا على الخيار فالقول لمدعي الخيار، وهذا الاستثناء لا يغير من القول شيئًا؛ لأن العمل إذا ادعى أحد الأصل وادعى أحد خلافه، فالعمل بالأصل إلا أن يكون هناك عرف جار، أو تعارض الأصل والغالب، فيقدم الغالب، والله أعلم.
(3)
انظر: المغني (4/ 139 - 140)، كشاف القناع (3/ 238)،شرح منتهى الإرادات (2/ 56)، الإنصاف (4/ 454)، المحرر (1/ 332).
(4)
الذخيرة (5/ 328) القوانين الفقهية (ص: 164).
(5)
الحاوي الكبير (5/ 299)، التنبيه (ص: 96)، المهذب (1/ 294)، روضة الطالبين (3/ 577)، أسنى المطالب (2/ 114).
وقول زفر من الحنفية
(1)
، ورواية عن أحمد
(2)
، أنهما يتحالفان، ثم يفسخ البيع، وهو مذهب المالكية إلا أنهم يشترطون أن تكون السلعة قائمة
(3)
. وبناء على هذا القول يكون الاختلاف مما يوجب الفسخ
وذهب الحنفية، إلى أن القول قول من ينفيه
(4)
، وهو المذهب عند الحنابلة
(5)
. وبناء على هذا القول لا يكون هذا الاختلاف موجبًا للفسخ.
وهكذا بقية اختلاف المتبايعين، فالاختلاف مما يوجب الفسخ في الجملة، ولذا أشرت إليه هاهنا، ومن يحب أن يقف على مسائل الاختلاف، مع أدلتها التفصيلية فليراجع باب اختلاف المتبايعين في آخر كتاب الخيار، فيقف على كل مسألة بعينها، وهل هي مما يوجب الفسخ أولا؟ والله أعلم.
* * *
(1)
تبيين الحقائق (4/ 307).
(2)
انظر: المغني (4/ 140)، الكافي (2/ 105)، الإنصاف (4/ 454 - 455)، المحرر (1/ 332).
(3)
الشرح الكبير (3/ 191)، الشرح الصغير (3/ 253)، مواهب الجليل (4/ 510 - 511)، حاشية العدوي على الخرشي (5/ 198 - 199)، التمهيد (24/ 298)، هذا هو المشهور من مذهب مالك، وفي المذهب أقوال أخرى: انظر الذخيرة (5/ 321) القوانين الفقهية (ص: 164)، الفواكه الدواني (2/ 228)، الثمر الداني شرح رسالة القيرواني (ص: 607)، جامع الأمهات (ص: 369)، التاج والإكليل (4/ 513)، شرح ميارة (2/ 26).
(4)
الاختيار لتعليل المختار (2/ 121)، البحر الرائق (7/ 220 - 221)، المبسوط (13/ 59)، تبيين الحقائق (4/ 306)، حاشية ابن عابدين (7/ 471)، تكملة فتح القدير (8/ 211)، الفتاوى الهندية (4/ 33)، تنقيح الفتاوى الحامدية (1/ 244)، مجمع الأنهر (2/ 246).
(5)
انظر: المغني (4/ 139 - 140)، الكافي (2/ 105)، المبدع (4/ 113)، كشاف القناع (3/ 238)، شرح منتهى الإرادات (2/ 56)، الإنصاف (4/ 454)، المحرر (1/ 332).