الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول
في أسباب انفساخ العقد
الفصل الأول
انفساخ العقد لقيام المانع الشرعي
[م-620] قد يقوم مانع شرعي يمنع من صحة البيع، حتى ولو قامت أركانه، وتوفرت شروطه، وقد عقدت بابًا كاملًا في الكلام على البيوع المنهي عنها، وتكلمت على خلاف العلماء في هذه البيوع عقدًا عقدا، فإذا قام هذا المانع في عقد من العقود فإن العقد يصبح باطلًا، ولا يجوز المضي فيه، وهذا يشمل كل بيع ثبت النهي عنه لذاته، وكان الحق فيه لله سبحانه وتعالى، ولم يكن الحق فيه لآدمي، فإذا عقد الإنسان على ميتة
(1)
، أو على خمر
(2)
، أو على خنزير، أو عقد على دم
(3)
، أو اشترى حرًا، ونحو ذلك، فإن العقد يعتبر باطلًا، وليس هذا خاصًا في البيع، بل حتى في الأجرة المحرمة، كمهر البغي، وهو أجر الزانية على الزنا، وحلوان الكاهن، وهو ما يعطاه الكاهن أجرًا على كهانته ونحو هذه العقود.
(1)
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (11/ 7): «وأما الميتة والخمر والخنزير فأجمع المسلمون على تحريم بيع كل واحد منها» .
(2)
قال القرطبي في تفسيره (6/ 289): «أجمع المسلمون على تحريم بيع الخمر
…
»
وقال ابن مفلح في المبدع (4/ 42): «وقال ابن مفلح: «بيع الخمر وشراؤه باطل إجماعًا» .
(3)
نقل ابن المنذر في كتابه الإجماع (ص: 114): الإجماع على النهي عن ثمن الدم، كما نقله ابن عبد البر في التمهيد (4/ 144)، وقال ابن قدامة في المغني (4/ 174):«ولا يجوز بيع الخنزير، ولا الميتة، ولا الدم، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول به» .
والعقد في هذه الحالة لم ينعقد أصلًا، فهو في حكم اللغو، ومن ثم لا يتطرق إليه فسخ، كما لا تلحقه إجازة،
وقد يستخدم بعض الفقهاء كلمة (وجوب الفسخ) للعقد الباطل، فقد جاء في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك، حين سئل عن رجل عقد على أخت له من الرضاع، ولم يعلم، وكان ذلك قبل الدخول، فقال:«هذا العقد باطل إجماعًا لقوله صلى الله عليه وسلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فيجب فسخه»
(1)
.
فقد يعبرون بالفسخ ويريدون به البطلان والنقض، يقال: انفسخ: أي بطل وانتقض.
والحق أن بين الفسخ والبطلان فرقًا جوهريًا:
فالعقد الباطل في حكم المعدوم، حيث لم ينعقد أصلًا.
وأما الانفساخ فإنه يكون بعد تمام الانعقاد لسبب طارئ يمتنع معه بقاء العقد كهلاك العين المستأجرة مثلًا.
وإنما اشترطت أن يكون النهي عن المبيع لذاته؛ لأن النهي إن كان يعود لأمر خارج فإنه لا يمنع من صحة البيع، كما في النهي عن تلقي الركبان، فإذا اشترى المتلقي فإن العقد صحيح وهذا مذهب الحنفية
(2)
، والمالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، والحنابلة
(5)
.
(1)
فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك (2/ 90).
(2)
الجوهرة النيرة (1/ 206)، الفصول في الأصول للجصاص (2/ 179)، أحكام القرآن للجصاص (3/ 671)، العناية شرح الهداية (6/ 478 - 479).
(3)
منح الجليل (5/ 63)، الشرح الكبير (3/ 70)، حاشية الدسوقي (3/ 70)، الخرشي (5/ 84).
(4)
روضة الطالبين (3/ 413).
(5)
المغني (4/ 149).
كما أن اشتراط أن يكون النهي لحق الله سبحانه وتعالى؛ لأن النهي إن كان لحق العاقد، كما في البيع على بيع أخيه، وكما في زيادة الناجش ونحوها، فإن البيع قد يصح مع التحريم، وهذا مذهب الجمهور
(1)
.
* * *
(1)
سيأتي العزو عنهم عند العزو على ثبوت الخيار للمشتري، فثبوت الخيار فرع عن صحة البيع.