الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثاني
اتحاد المجلس
[م-677] لما كان ركن الإقالة المتفق عليه كما سبق هو الإيجاب والقبول، فأشبهت الإقالة سائر العقود القائمة على الإيجاب والقبول، كعقد البيع، فالمراد: باتحاد المجلس: هو موافقة القبول للإيجاب في مجلس واحد.
والذي حمل الفقهاء على اعتبار اتحاد المجلس شرطًا في عقد الإقالة، أننا إن قلنا باشتراط الفورية في القبول كان في ذلك تضييق على من وجه إليه الإيجاب، وعدم إعطائه فرصة للتدبر. فإن رفض فورًا ضاعت فرصة يتطلع لها الشارع، وهو إقالة النادم من العاقدين إلى الإقالة، وربما كان له في قبول الإقالة حظ له في الدنيا مع حظ الآخرة، وإن قبل فورًا ربما كان في الإقالة ضرر عليه، فيحتاج لفترة تأمل للموازنة بين ما يغنم، وبين ما يغرم.
وإن قلنا: يسمح له أن يتأخر في صدور القبول حتى بعد التفرق، كان في ذلك إضرار بالموجب، وذلك بإبقائه مدة طويلة دون الرد على إيجابه، ومن هنا كان القول باتحاد المجلس قولًا وسطًا.
وعن هذا قال الفقهاء: إن المجلس يجمع المتفرقات.
يقول البابرتي: «ما وجه اختصاص خيار الرد والقبول بالمجلس، ولم لا يبطل الإيجاب عقب خلوه عن القبول؟
أو لمَ لا يتوقف على ما وراء المجلس؟
وتقرير الجواب: أن في إبطاله قبل انقضاء المجلس عسرًا بالمشتري، وفي إبقائه فيما وراء المجلس عسرًا بالبائع، وفي التوقف على المجلس يسرًا بهما
جميعًا، والمجلس جامع للمتفرقات .... فجعلت ساعاته ساعة واحدة، دفعًا للعسر، وتحقيقًا لليسر»
(1)
.
إذا علم ذلك، فإن اتحاد المجلس تارة يكون حقيقيًا بأن يكون الطرفان حاضرين معًا، فيكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد.
وتارة يكون حكميًا: كما لو تفرق مجلس القبول عن مجلس الإيجاب كما لو كانت الإقالة عن طريق المكاتبة والمراسلة.
والمراد بالمجلس: ما هو أعم من الجلوس، فقد يحصل اتحاد المجلس مع الوقوف، ومع تغير المكان
(2)
.
ومجلس الإقالة: هو الزمن الذي يظل فيه المتعاقدان مشتغلين بالإقالة، فإن أعرضا عنها واشتغلا عنها بما يقطعها عرفًا فقد انقطع المجلس، ومن الإعراض عن الإقالة انفضاض المجلس دون صدور القبول.
جاء في البحر الرائق: «المجلس المتحد: ألا يشتغل أحد المتعاقدين بعمل غير ما عقد له المجلس، أو ما هو دليل الإعراض عن العقد»
(3)
.
وقال أيضًا: «القيام - يعني عن المجلس - دليل الإعراض»
(4)
.
فالعبرة هو الإعراض عن الإقالة، سواء كان ذلك بالقيام من المجلس، أو كان ذلك بالإعراض عنها والاشتغال بغيرها، ولو كان المجلس باقيًا، فلا ينبغي أن يؤثر انتقالهما من مجلس إلى مجلس آخر ما داما منشغلين بالإقالة.
(1)
شرح العناية (6/ 253).
(2)
انظر الموسوعة الكويتية (1/ 202).
(3)
البحر الرائق (5/ 293).
(4)
المرجع السابق، الصفحة نفسها.
وجاء في درر الحكام «وصورة اختلاف المجلس: أن يوجب أحدهما، فيقوم الآخر قبل القبول، أو يشتغل بعمل يوجب اختلاف المجلس»
(1)
.
ويترتب على القول باتحاد المجلس أحكام منها:
الأول: تحديد أجل للقبول يكون للقابل فيه حق التروي، فيقبل في خلاله، أو بمعنى آخر أنه يجوز أن يتراخى القبول عن الإيجاب ما دام المتعاقدان في مجلس العقد، ولم يعرضا عنه.
الثاني: أن للموجب خيار الرجوع عن إيحابه إلى أن يصدر القبول أو ينفض المجلس.
قال الكاساني في بدائع الصنائع: «وأما شرائط صحة الإقالة فمنها .... المجلس لما ذكرنا أن معنى البيع موجود فيها، فيشترط لها المجلس كما يشترط للبيع»
(2)
.
وقال ابن عابدين: «اتحاد المجلس في الإيجاب والقبول شرط في الإقالة»
(3)
.
هذان الشرطان متفق عليهما سواء اعتبرت الإقالة فسخًا، أو اعتبرت بيعًا، أما باقي الشروط فإنه مختلف فيها لاختلافهم في تكييف الإقالة.
(1)
درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 326).
(2)
بدائع الصنائع (5/ 308).
(3)
حاشية ابن عابدين (5/ 121)، وانظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 143)، المنتقى للباجي (4/ 165).