الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
إذا تقايلا وقد تعلق في المبيع حق للغير
[م-685] إذا تقايل المتعاقدان، وقد أنشأ المشتري حقوقًا للغير في المبيع كرهن، أو إجارة، فهل تعود الإقالة مثقلة بتلك الحقوق، أو لا تصح الإقالة مع وجود هذه الحقوق؟
بحث هذه المسألة بعض الشافعية، ولم أقف عليها فيما اطلعت عليه عند غيرهم، وهاتان مسألتان: الرهن، والإجارة.
أما الرهن فيرى ابن حجر الهيتمي من الشافعية أن الرهن السابق على الإقالة مانع من صحتها
(1)
.
وإذا كان الرهن يبطلها، فينبغي أن تبطلها الإجارة من باب أولى، لأن الرهن بيد المرتهن أمانة، لا يتصرف فيها إلا بإذن الراهن؛ وهو من عقود التوثقة، أما الإجارة فهي من قبيل المعاوضات، والمستأجر يملك المنفعة، ويملك التصرف فيها، ومع ذلك اختلف الشافعية في الإجارة، ولم أقف على خلاف في الرهن.
فقيل: إن تقايلا، وقد أجره المشتري، والبائع عالم بذلك، فليس له أن يرجع على ا لمشتري بالأجرة؛ لأن الإقالة قد وقعت باختيارهما، وقد رضي بالإقالة، والعين مؤجرة
(2)
.
وإن كان البائع لم يعلم، فقيل: لا تصح الإقالة.
(1)
الفتاوى الفقهية الكبرى (2/ 135 - 154).
(2)
حاشية الجمل (3/ 138)، نهاية المحتاج (4/ 46).
وقيل: تصح الإقالة، والأجرة للمشتري، وللبائع أجرة المثل.
جاء في حاشية الرملي «لو باعه المشتري، أو أجره، فهل تجوز الإقالة؟ الأقرب المنع .... وقوله: فهل تجوز؟ أشار إلى تصحيحه، وكتب أيضا: لو أجر المشتري المبيع، ثم تقايلا، فله الأجرة المسماة، وعليه للبائع أجرة المثل.
وكتب أيضا: قال أبو زرعة: في مختصر المهمات: قال الشيخ سراج الدين البلقيني: لو أجره المشتري ثم تقايلا لم أقف فيها على نقل، وسئلت عنها، وترددت فيها، ثم استقر جوابي على إلحاقها بصورة الإجارة، ثم يحصل بعدها تحالف وانفساخ المبيع، والحكم في تلك: أن الأجرة المسماة للمشتري، وعليه للبائع أجرة المثل خلافًا لما في التتمة والبحر من إيجاب الأرش هناك: وهو ما بين قيمته مؤجرًا، وقيمته غير مؤجر، ولا يفترق الحال فيما أعتقد بين أن يعلم البائع بالإجارة وبين ألا يعلم؛ لأن صورة التلف تصح الإقالة فيها مع العلم، وإقامة البدل فيها مقامه، وفي العيب أطلق المصنف تبعا لأصله غرامة الأرش، وقيد في التتمة: بألا يكون البائع عالمًا، وما أطلقه المصنف تبعا لأصله أرجح كما في تلف المبيع، وكما في صورة التحالف ولكن يبقى في صورة الجهل كلام: وهو أنه إذا جهل البائع الإجارة، وحصلت الإقالة مع جهله بالإجارة، فإنه إذا علم بالإجارة له أن يفسخ الإقالة، وإن قلنا: إنها فسخ فهذا فسخ للفسخ. ا هـ
قلت - القائل الرملي - ما ذكره آخرًا مخالف لقوله في الروضة، وأصلها: أنه لو علم البائع بالمبيع عيبًا كان حدث في يد المشتري قبل الإقالة، فلا رد له: إن قلنا فسخ»
(1)
.
(1)
حاشية الرملي (2/ 75)، وانظر أسنى المطالب (2/ 74).
والذي يظهر لي أن البائع إذا كان جاهلًا بأن المبيع قد تعلق به حق الغير كان له الخيار، ثم إذا شاء أن يمضي الإقالة أمضاها، وإن شاء أن يردها ردها، فإن اختار الإقالة دخل مكان المشتري، وليس له إلا الأجرة المسماة، وليس له أجرة المثل، لأنه حين رضي بالإقالة، وهي مؤجرة فقد رضي أن يحل مكان المشتري، فلا يتحمل المشتري مع الإقالة إجارة أكثر مما أجرها به، سواء كانت بمثل أجرة المثل، أو أكثر، أو أقل، والله أعلم.
* * *
المبحث الثالث
في مؤنة الرد في الإقالة
[م-686] اختلف العلماء فيمن يتحمل مئونة الرد، كنقل المبيع، وعده، ووزنه، وكيله.
فقيل: مئونة الرد على البائع؛ لأن الإقالة تتوقف على رضاه، فيكون ذلك من باب الرضا بتحمل تبعة الإقالة، ولأن البائع رضي أن يبقى المبيع بيد المشتري، فهو أمانة في يده، وهذا مذهب الحنفية
(1)
، والحنابلة
(2)
.
وقيل: مئونة الرد على من طلبها من العاقدين، سواء كان البائع أو المشتري، وهذا مذهب المالكية
(3)
.
لأن من وافق على الإقالة فقد فعل معروفًا وإحسانًا وإرفاقًا، وليس من المكافأة تحميله تبعات الرد.
وقيل: مئونة الرد على المشتري، وهو مذهب الشافعية
(4)
، وقول في مذهب الحنابلة، وهذا محمول على أن الإقالة بيع، وليست فسخًا، أو على أن يد المشتري على المبيع يد ضمان، وليست يد أمانة
(5)
.
(1)
حاشية ابن عابدين (5/ 130).
(2)
الإنصاف (4/ 481)، المبدع (4/ 126)، شرح منتهى الإرادات (2/ 63)، كشاف القناع (3/ 249)، مطالب أولي النهى (3/ 155).
(3)
حاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/ 197 - 198)، التاج والإكليل (4/ 476)، الشرح الكبير (3/ 144 - 145)، منح الجليل (5/ 230).
(4)
تحفة المحتاج (4/ 375)، حاشية الجمل على شرح المنهج (3/ 139)، حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج (4/ 52)، حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 298).
(5)
المبدع (4/ 126).
وأقرب الأقوال للصواب هو قول المالكية، وأن من طلب شيئًا لزمه مؤونته، لأنه فعل من أجله، والله أعلم.
* * *