الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي تلقي الجلب: إذا اشترى منهم، أو باع لهم، فلهم الخيار إذا هبطوا السوق، وعلموا أنهم قد غبنوا، وهذا هو المشهور في مذهب الحنابلة
(1)
.
والفرق بين الاسترسال عند المالكية والحنابلة:
أن الاسترسال عند المالكية: هو أن يطلب المشتري أو البائع من الآخر أن يكون البيع بسعر السوق، فيكذب فيه، فموجب الرد بالغبن عندهم: جهل المشتري أو البائع بالقيمة، وكذب الآخر
(2)
.
وأما الاسترسال عند الحنابلة: أن يكون جاهلًا بالقيمة، ولا يحسن المماكسة، ولو لم يحصل كذب صريح من الطرف الآخر، ويثبت جهله إما بالبينة، وإما بقوله مع يمينه
(3)
.
وقيل: الغبن يبطل العقد من أصله، وهو قول داود الظاهري
(4)
.
وقد تم مناقشة أدلة هذه الأقوال مع بيان الراجح في كتاب الخيار فارجع إليه مشكورًا.
[م-651] وأما خيار فوات الوصف أو الشرط: فهو حق الفسخ لتخلف شرط صحيح، أو وصف مرغوب فيه اشترطه العاقد في المعقود عليه.
(1)
شرح منتهى الإرادات (2/ 41)، الإنصاف (4/ 394)، كشاف القناع (3/ 211)، حاشية الروض لابن قاسم (4/ 433).
(2)
حاشية الدسوقي (3/ 140).
(3)
شرح منتهى الإرادات (2/ 41).
(4)
ذكر ابن حزم بأن مذهب أصحابه الظاهرية بأن البيع باطل إذا وقع فيه غبن ولو علما بالغبن وتراضيا على ذلك، انظر المحلى (8/ 442) مسألة:1463. كما ذكر ابن الجوزي مذهب داود الظاهري رحمه الله انظر التحقيق (2/ 184)، وأما ابن حزم رحمه الله فقد قسم الغبن بالبيع ثلاثة أقسام:
الأول: أن يشترط أحد المتبايعين السلامة من الغبن فهو بيع مفسوخ أبدًا.
الثاني: أن يعلما بالغبن ويتراضيا عليه فهذا بيع صحيح.
الثالث: ألا يعلما أو أحدهما بقدر الغبن، ولم يشترطا السلامة، فله الخيار إذا عرف ذلك، إن شاء أمسك، وإن شاء رد، انظر المحلى (8/ 442) مسألة:1463.
مثال فوات الشرط: أن يبيعه بشرط الأجل، أو الرهن، أو الكفيل.
ومثال فوات الوصف: أن يشتري دابة بشرط أن تكون صغيرة، أو حصانًا بشرط أن يكون عربيًا، أو طيرًا بشرط أن يكون معلمًا.
وقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن فوات الشرط الصحيح يجعل الخيار لصاحب الشرط، إن شاء أمضى البيع، وإن شاء فسخ.
قال في الهداية: «فوات الشرط بمنزلة العيب»
(1)
.
وإذا كان فواته بمنزلة العيب أصبح يوجب فواته ما يوجبه وجود العيب من ثبوت الخيار لصاحبه.
وقد نص الحنفية والشافعية والحنابلة على أن البائع لو اشترط على المشتري رهنًا، فامتنع المشتري، فإن البائع بالخيار إن شاء رضي بترك الرهن، وإن شاء فسخ البيع، ولا يجبر من شرط عليه ذلك القيام بما شرط لزوال الضرر بالفسخ
(2)
.
وقال المالكية: توقف السلعة حتى يقبض الرهن.
وأما فوات الوصف المرغوب فإن الفقهاء كلهم متفقون على ثبوت الخيار إذا فات على صاحبه.
(1)
الهداية (3/ 36).
(2)
فتح القدير (10/ 167)، بدائع الصنائع (5/ 171)، الأم (3/ 149)، مغني المحتاج (2/ 32)، المغني (4/ 245)، مجلة الأحكام الشرعية (463، 464، 465)، المبدع (4/ 52).
(1)
.
قال ابن عابدين: «لو اشترط دابة، فوجدها كبيرة ليس له الرد، إلا إذا اشترط صغرها فله الرد؛ لفوات الوصف المرغوب»
(2)
.
وقال الكرابيسي: «فوت الصفة في المبيع يوجب خيارًا، ولا يوجب غرمًا»
(3)
.
وقال القرافي: «مهما شرط وصفًا يتعلق بفواته نقصان مالية ثبت الخيار بفواته»
(4)
.
(5)
.
[م-652] وأما خيار التدليس فهو أن يكتم عيب السلعة، أو يفعل ما يزيد
(1)
المغني (4/ 115).
(2)
حاشية ابن عابدين (5/ 4)، وانظر المبسوط (13/ 12).
(3)
الفروق (2/ 119).
(4)
الذخيرة (5/ 53)، وقال ابن جزي في القوانين (ص: 175): «إن شرط وصفًا يزيد في الثمن
…
ثم خرج بخلاف ذلك فللمشتري الخيار».
(5)
نهاية الزين (ص: 233)، وانظر مغني المحتاج (2/ 34 - 35)، الوسيط (3/ 119).
به ثمنها، وإن لم يكن عيبًا كتحمير وجه الجارية، وتسويد شعرها، وتجعيده
(1)
.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية: «التدليس فعل ما يتوهم به المشتري أن في المبيع صفة توجب زيادة الثمن، أو كتمان العيب»
(2)
.
وقد ذهب عامة أهل العلم إلى أن البيع لا يبطل بالتدليس، وأن العقد صحيح مع الإثم، وللمشتري الخيار، إن شاء أمضى البيع، وإن شاء فسخ العقد، وإن اختار الإمساك أمسكه بلا أرش
(3)
.
وذهب داود بن علي إلى أن البيع باطل بالتدليس
(4)
.
وقد ذكرنا أدلة هذه المسألة في كتاب الخيار، فأغنى عن إعادته.
(1)
كشاف القناع (3/ 213 - 214).
(2)
المادة (210).
(3)
انظر في مذهب المالكية: التاج والإكليل (4/ 437)، الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي (3/ 16 - 17)، وانظر حاشية الدسوقي معه، الاستذكار (20/ 251) و (21/ 89)، الذخيرة (5/ 63)، مواهب الجليل (4/ 437 - 439).
وانظر في مذهب الشافعية: الأم (3/ 68)، المجموع (11/ 194)، طرح التثريب (6/ 78)، روضة الطالبين (3/ 467)، إعانة الطالبين (3/ 33)، التنبيه (ص: 94)، أسنى المطالب (2/ 61).
وانظر في مذهب الحنابلة: مسائل أحمد رواية عبد الله (3/ 910)، رواية صالح (669)، الهداية (1/ 141)، شرح الزركشي (5/ 2041 - 2052)، الفروع (4/ 93)، مطالب أولي النهى (3/ 105)، المقنع في شرح الخرقي (2/ 683)، الإنصاف (4/ 399).
(4)
الخاوي الكبير (5/ 269)، ولعل هذا القول لا يثبت عنه، فإن القول المنسوب إليه كما في المغني (4/ 106)، والمجموع أنه لا يثبت الخيار بتصرية البقرة؛ لأن الحديث:" لا تصروا الإبل والغنم" فدل على أن ما عداهما بخلافهما.
وأما خيار الرؤية: فهو حق يثبت به للمتملك الفسخ أو الإمضاء عند رؤية محل العقد المعين الذي عقد عليه ولم يره
(1)
.
ومن هنا يظهر ارتباط هذا الخيار في بيع السلعة المعينة الغائبة التي لم يسبق لها رؤية، فالقول بخيار الرؤية إيجابًا ونفيًا مرتبط كل الارتباط بجواز بيع الغائب المعين صحة وفسادًا، فالذين منعوا بيع الشيء المعين إذا كان غائبًا لا يثبتون خيار الرؤية، والذين أجازوه لم يمنعوا من ثبوت هذا الخيار
[م-653] وقد اختلف الفقهاء في إثبات خيار الرؤية للمبيع إذا اشترى المشتري شيئًا معينًا لم يره.
فقيل: يثبت خيار الرؤية بحكم الشرع، دون حاجة إلى اشتراط، سواء بيع الغائب بلا وصف ولا رؤية، أو بيع بالوصف فقط، وهذا مذهب الحنفية
(2)
، ورواية عن أحمد اختارها ابن تيمية
(3)
.
وقيل: إذا بيع المعين بلا وصف ولا رؤية، لم يصح العقد إلا بشرط خيار الرؤية. وإن بيع الغائب بالوصف صح، ولو لم يشترط الخيار، وإن جاء مطابقًا للموصوف فلا خيار للمشتري إلا أن يشترطه، وهذا مذهب المالكية
(4)
.
(1)
الموسوعة الكويتية (20/ 64).
(2)
بدائع الصنائع (5/ 292)، فتح القدير (6/ 335)، المبسوط (13/ 68)، تبيين الحقائق (4/ 24 - 25)، البحر الرائق (6/ 28) وما بعدها، فتح القدير مع العناية (6/ 335)، مجلة الأحكام الشرعية، مادة (320). وقد أجاز الحنفية بيع الشيء المعين بلا صفة، ولا رؤية متقدمة، ويثبت له خيار الرؤية إذا رآه.
(3)
الإنصاف (4/ 296)، الكافي (2/ 12)، المبدع (4/ 25).
(4)
التمهيد (13/ 15)، التلقين (ص:361 - 362)، الفواكه الدواني (2/ 96)، مواهب الجليل (4/ 296 - 297)، حاشية الدسوقي (3/ 25 - 27)، التاج والإكليل (6/ 118 - 119)، المنتقى (4/ 287).
وقيل: يثبت الخيار للمشتري إن باعه بالوصف، وله الخيار إذا رآه وإن وجده كما وصف، وهو قول في مذهب الشافعية
(1)
، وعللوا ذلك: بأن الخبر ليس كالمعاينة.
وقيل: لا يثبت خيار الرؤية مطلقًا، لا بحكم الشرع، ولا عن طريق الاشتراط، وهذا هو القول الراجح في مذهب الشافعية
(2)
، ومذهب الحنابلة
(3)
، واختار القاضي أبو محمد البغدادي من المالكية
(4)
.
وقد ذكرنا أدلتهم في كتاب الخيار، فانظره هناك مشكورًا.
وهكذا بقية الخيارات تعطي الحق في الجملة لمن ثبت له الخيار حق فسخ العقد، وقد جعلت كتابًا خاصًا في الخيار في البيع، وتكلمت عن أنواع الخيار، وما يوجبه كل نوع، وما هي العقود التي يثبت فيها، فأغنى عن إعادتها هنا، ولله الحمد في الأولى والآخرة.
* * *
(1)
حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 205).
(2)
الأم (3/ 75)، المجموع (9/ 348)، أسنى المطالب (2/ 18)، حاشية الجمل (3/ 39)، مغني المحتاج (2/ 18).
(3)
المغني (4/ 15)، الإنصاف (4/ 296) و (6/ 32)، الكافي (2/ 12)، المبدع (4/ 25).
(4)
المنتقى (4/ 287)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (2/ 521 - 522).