الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنه كان يزورهم في دورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم (1) ونحو ذلك.
[نقل التقرير]
وأما نقل التقرير، فكنقلهم إقراره لهم على تلقيح النَّخل (2)، وعلى تجاراتهم التي كانوا يتّجرونها، وهي على ثلاثة أنواع: تجارة الضرب في الأرض، وتجارة الإدارة، وتجارة السّلم (3)، فلم يُنكر عليهم منها تجارة واحدة، وإنما أنكر (4) عليهم فيها الربا الصريح ووسائله المفضية إليه أو التوسل بتلك المتاجر إلى الحَرَام
(1) وأما زيارته لأصحابه في دورهم فهذا ثابت في أحاديث منها:
حديث أنس بن مالك: رواه البخاري (380) في (الصلاة): باب الصلاة على الحصير، و (727) في (الأذان): باب المرأة وحدها تكون صفًا، و (860) باب وضوء الصبيان،، و (871 و 874) باب صلاة النساء خلف الرجال، و (1164) في (التهجد): باب ما جاء في التطوّع مثنى مثنى، ومسلم (658) في (التهجد): باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى.
وحديث أنس أيضًا في زيارة النبيّ صلى الله عليه وسلم لأم أيمن: رواه مسلم (2454) في (فضائل الصحابة): باب من فضائل أم أيمن.
وحديث أم حرام: رواه البخاري (2799 و 2780)، ومسلم (1912).
وأما عيادته لمرضاهم، ففي هذا أحاديث منها:
حديث سعد: رواه البخاري (1295 و 2742 و 2744 و 3936 و 4459 و 5354 و 5659 و 5668 و 6373 و 6733)، ومسلم (1628).
وحديث ابن عباس: رواه البخاري (3616 و 5622 و 5656 و 7470).
وحديث ابن عمر: رواه البخاري (1354)، ومسلم (924).
وأما تشييع الجنائز:
منها حديث جابر بن سمرة: رواه مسلم (965) في (الجنائز): باب ركوب المصلي على الجنازة إذا انصرف.
وحديث عبد الرحمن بن جوشن: رواه أحمد (5/ 36 و 38)، وأبو داود (3182 و 3183)، والنسائي (4/ 42 - 43)، والبيهقي (4/ 22)، وإسناده صحيح.
وحديث ابن عمر: رواه أبو داود (3179)، والترمذي (1007 و 1008)، والنسائي (4/ 56)، وابن ماجه (1482)، وأحمد (2/ 8)، والدارقطني (2/ 70)، والبيهقي (4/ 23، 24).
(2)
ورد من حديث طلحة بن عبيد اللَّه: رواه مسلم (2361) في (الفضائل): باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا.
وحديث رافع بن خديج: رواه مسلم (2362)، ومن حديث عائشة وأنس رواه مسلم أيضًا (2363).
(3)
"أن تعطي ذهبًا أو فضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم، فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة"(و).
(4)
في المطبوع: "حرم".
كبيع السلاح لمن يقاتل به المسلم، وبيع العصير لمن يعصره خمرًا، وبيع الحرير لمن يلبسه من الرجال ونحو ذلك مما هو معاونة على الإثم والعدوان.
وكإقرارهم على صنائعهم المختلفة من تجارة وخياطة وصياغة وفلاحة، وإنما حرَّم عليهم فيها الغشّ والتوسّل بها إلى المحرمات، وكإقرارهم على إنشاد الأشعار المباحة (1)، وذكر أيام الجاهلية (2) والمسابقة على الأقدام (3)، وكإقرارهم على المناهدة (4) في السفر (5)، وكإقرارهم على الخُيلاء في الحرب (6)، ولبس
(1) في هذا أحاديث منها حديث حسّان بن ثابت في إنشاده الشعر في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (453) في (الصلاة): باب الشعر في المسجد، ومسلم (2485) في "فضائل الصحابة": باب فضائل حسان بن ثابت. وانظر مطلع كتابي "شعر خالف الشرع" يسر اللَّه إتمامه بخير وعافية.
(2)
من ذلك ما رواه مسلم (2322) في (الفضائل): باب تبسّمه صلى الله عليه وسلم عن سماك بن حرب قال: قلتُ لجابر بن سَمُرة: أكنت تُجالس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، كثيرًا، كان لا يقوم من مصلّاه الذي يصلي فيه الصُّبح حتى تطلع الشمس، فإذا طَلَعت قام وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسَّم صلى الله عليه وسلم.
(3)
قد يدلّ على هذا مسابقته هو نفسه صلى الله عليه وسلم لعائشة أم المؤمنين في الحديث الذي رواه أحمد (6/ 39، 129، 182، 261، 264، 280)، وابن أبي شيبة (12/ 508 - 509)، والحميدي (261)، وأبو داود (2578) في (الجهاد): باب السبق على الرجل، وابن ماجه (1979) في (النكاح): باب حسن معاشرة النساء، والنسائي في "عشرة النساء"(56 و 57 و 58 و 59)، والطيالسي (1462)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(3454)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(1880)، والطبراني (23/ رقم 124، 125)، والبيهقي (10/ 17 - 18 و 18)، وابن حبان (4691) من حديث عائشة قالت: سابقتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلما حملتُ اللحم سابقته فسَبَقني، فقال:"هذه بتلك"، وعند بعضهم أطول من هذا، وهو حديث صحيح. وانظر "الفروسية"(85 - بتحقيقي)، و"الإرواء"(5/ 327).
(4)
كذا في (ق) و (ك) وهو الصواب، وفي سائر الأصول والنسخ:"المهادنة"!! و (المناهدة): إخراج كل واحد من الرفقة نفقة على قدر نفقة صاحبه، انظر:"لسان العرب"(3/ 430 مادة نهد)، وكتابي "المروءة وخوارمها"(ص 154).
(5)
تدلل عليه نصوصًا عديدة، جمع البخاري في "صحيحه" أربعة منها ووضعها في (كتاب الشركة) وبوّب عليها (باب الشركة في الطعام والتهد والعروض)، منها (رقم 2486) عن أبي موسى الأشعري رفعه:"إنّ الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعامُ عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّوية، فهم مني وأنا منهم"، ورواه أيضًا مسلم (2500) في "فضائل الصحابة": باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم، وانظر:"زاد المعاد"(2/ 77، 130 - 133، 143 و 2/ 44، 224).
(6)
روى ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام (3/ 11 - 12) - في قصة أبي دجانة =
الحرير فيه (1)، وإعلام الشجاع منهم بعينه بعلامة من ريشة أو غيرها.
وكإقرارهم على لبس ما نَسَجه الكفار من الثياب (2)، وعلى إنفاق ما ضربوه من الدراهم، وربما صار عليها صورة ملوكهم (3)، ولم يضرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه مدة حياتهم دينارًا ولا درهمًا، وإنما كانوا يتعاملون بضرب الكفار.
= سِمَاك بن خرشة في تبختره بين الصفين في غزوة أحد، قال ابن إسحاق فحدثني جعفر بن عبد اللَّه بن أسلم مولى عمر بن الخطاب عن رجل من الأنصار من بني سلمة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنها مشية يبغضها اللَّه إلا في مثل هذا الموطن" ورواه البيهقي في "دلائل النبوة"(3/ 233 - 234) من طريق ابن إسحاق لكن سَمّى الرجل الذي من بني سلمة معاوية بن معبد بن كعب بن مالك.
أقول: ومعاوية بن معبد هذا ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(8/ 378) وذكر أنه يروي عن جابر بن عبد اللَّه ونقل فيه قول ابن معين: لا أعرفه. قال ابن أبي حاتم: يعني لأنه مجهول، فهذا مرسل ضعيف.
ثم وجدت له طريقًا آخر رواه الطبراني في "الكبير"(6508) من طريق خالد بن سليمان بن عبد اللَّه بن خالد بن سماك بن خرشة عن أبيه عن جده فذكره مثله.
قال الهيثمي في "المجمع"(6/ 109): وفيه من لم أعرفه.
أقول: وأظنه مرسلًا كذلك! كما هو ظاهر الإسناد.
وروى الدارمي (2/ 149) وأحمد في "مسنده"(5/ 445 و 446) وأبو داود (2659) في الجهاد: باب في الخيلاء في الحرب، والنسائي (5/ 78) في الزكاة: باب الاختيال في الصدقة، وابن حبان (4762) وسعيد بن منصور في "سننه" (2548) والطبراني في "الكبير" (1772 - 1777) والبيهقي في "سننه الكبرى" (7/ 308 و 9/ 156) وفي "الأسماء والصفات" (1053) وابن أبي عاصم في "الجهاد" (294) من طرق عن يحيى ابن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن ابن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ". . . ومن الخيلاء ما يبغض اللَّه ومنها ما يُحب اللَّه فأما الخيلاء التي يحب اللَّه فاختيال الرجل بنفسه عند القتال واختياله عند الصدقة. . . " وإسناده ضعيف فإن لجابر وابنين وكلاهما مجهول، ومع هذا فقد صحح الحافظ ابن حجر إسناده في "الإصابة" في ترجمة جابر بن عتيك!
(1)
روى البخاري في "صحيحه" في مواطن منها (2920) في (الجهاد): باب الحرير في الحرب، ومسلم (2076 بعد 26) في (اللبالس والزينة): باب إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة أو نحوها عن أنس "أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم-يعني القمل- فأرخص لهما في الحرير فرأيته عليهما في غزاة"، وانظر:"فتح الباري"(6/ 101).
(2)
انظر: "إغاثة اللهفان"(1/ 153).
(3)
في المطبوع: "وربما كان عليها صور ملوكهم".
وكإقراره لهم بحضرته على المزاح المباح (1)، وعلى الشبع في الأكل (2)، وعلى النوم في المسجد (3)، وعلى شركة الأبدان (4)، وهذا كثير من أنواع السنن احتجّ به الصحابة وأئمّة الإسلام كلهم.
وقد احتجّ به جابر في تقرير الربّ في زمن الوحي؛ كقوله: "كنا نعزلُ
(1) وجدت في هذا قصة طويلة في سفر أبي بكر ومعه جماعة فيهم نُعيمان وسويبط وكان أحدهما رجلًا مزَّاحًا (وقد اختلف هل هو جماعة، فيهم نعيمان أو سويبط) وحصل معهما قصة طريفة فلما قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأخبروه ضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه منه حولًا.
روى القصة أحمد في "مسنده"(6/ 316)، وابن ماجه (3719) في الأدب: باب المزاح -وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع في "مسنديهما" كما في "مصباح الزجاجة"(2/ 250) - من طريق زمعة بن صالح عن الزهري عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة عن أم سلمة، قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف زمعة بن صالح وإن أخرج له مسلم فإنما أخرج له مقرونًا بغيره، وقد ضعّفه وأحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وأبو داود والنسائي، وقد ذكر القصة الحافظ ابن حجر في "الإصابة" في ترجمة سُويبط ساكتًا عليها.
أقول: ومزاحه هو صلى الله عليه وسلم مع أصحابه مشهور ذكره المؤلف من قبل، وخرجنا الأحاديث هناك.
(2)
في هذا أحاديث كثيرة منها حديث أنس في أكل الصحابة في دار أبي طلحة بحضرة النبيّ صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري في مواطن منها (5381) في (الأطعمة): من أكل حتى شبع، ومسلم (2040) في (الأشربة): باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه، ومنها حديث أبي هريرة في خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر من بيوتهم جوعى وفيه:"فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العِذْق وشربوا فلما أن شبعوا ورووا. . . " أخرجه مسلم (2038).
(3)
في هذا أحاديث، منها حديث عبد اللَّه بن عمر أنه كان ينام وهو شابٌّ أعْزَب لا أهل له في مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري في "صحيحه" في مواطن كثير، انظر أطرافه عند رقم (440) في (الصلاة): باب نوم الرجال في المسجد.
ومنها حديث سهل بن سعد في إتيان النبيّ صلى الله عليه وسلم عليًا رضي الله عنه وهو راقد في المسجد، وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم له:"قم يا أبا تراب"، رواه البخاري أيضًا (441).
(4)
يدل على هذا حديث عبد اللَّه بن مسعود قال: اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نُصيب يوم بدر، قال: فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشيء.
أخرجه أبو داود (3388) في (البيوع): باب الشركة على غير رأس مال، والنسائي في "المجتبى" في (البيوع): باب الشركة بغير مال، وفي "الكبرى" (8659): باب الأسْر، وابن ماجه (2288) في (التجارات): باب الشركة والمضاربة، والبيهقي في "سننه الكبرى"(6/ 79) من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود عنه، وهذا إسناد فيه انقطاع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وذكره الحافظ في "التلخيص" (3/ 49) ساكتًا عليه!! وانظر:"الإرواء"(1474).
والقرآن ينزل، فلو كان شيء يُنهى عنه لنهى عنه القرآن" (1)، وهذا من كمال فقه الصحابة وعلمهم، واستيلائهم على معرفة طرق الأحكام ومداركها، وهو يدل على أمرين:
أحدهما: أن أصل الأفعال الإباحة، ولا يَحْرم منها إلّا ما حَرَّمه اللَّه على لسان رسوله.
الثاني: أنَّ علم الرب تعالى بما يفعلون (2) في زمن شرع الشرائع ونزول الوحي وإقراره لهم عليه دليل على عفوه عنه، والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أنه في الوجه الأول يكون معفوًّا عنه استصحابًا، وفي الثاني يكون العفو عنه تقريرًا لحكم الاستصحاب، ومن هذا النوع تقريره لهم على أكل الزُّرُوع التي تُداس بالبقر، من غير أمر لهم بغسلها، وقد علم صلى الله عليه وسلم أنها لا بدّ أن تبول وقت الدياس، ومن ذلك تقريره لهم على الوقود في بيوتهم وعلى أطعمتهم بأرواث الإبل وأخثاء البقر وأبعار الغنم، وقد علم أن دُخانَها ورمادها يصيب ثيابهم وأوانيهم، ولم يأمرهم باجتناب ذلك، وهو دليل على أحد أمرين ولا بدّ: طهارة ذلك، أو أن دخان النجاسة ورمادها ليس بنجس.
ومن ذلك تقريرهم على سجود أحدهم على ثوبه إذا اشتدَّ الحرُّ (3)، ولا يقال في ذلك: إنه ربما لم يعلمه، لأن اللَّه قد عَلِمه وأقرَّهم عليه ولم يأمر رسوله بإنكاره عليهم، فتأمل هذا الموضع.
ومن ذلك تقريرهم على الأنكحة التي عقدوها في حال الشرك ولم يتعرّض لكيفية وقوعها، وإنما أنكر منها ما لا مَسَاغ له في الإسلام حين الدخول فيه (4).
(1) رواه البخاري (5207 و 5208 و 5209) في (النكاح): باب العزل، ومسلم (1445) في (النكاح): باب حكم العزل.
(2)
في (ك): "يفعلونه".
(3)
في هذا حديث أنس بن مالك قال: كُنَّا نصلي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فيضع أحدُنا طرف الثوب من شدة الحرِّ في مكان السجود، أخرجه البخاري (385) في (الصلاة): باب السجود على الثوب في شدة الحر، و (542) باب وقت الظهر عند الزول، و (1208) في العمل في الصلاة: باب بسط الثوب في الصلاة في السجود، ومسلم (620) في (المساجد): باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر.
(4)
وذلك مثل أمره صلى الله عليه وسلم لمن عنده أكثر من أربع نسوة أن يبقي أربعًا ويطلق سائرهن، ومثل من كان عنده أختان، أن يفارق إحداهما. . . وقد ذكر المؤلف ذلك في غير هذا الموطن وخرَّجناه مفصلًا في (3/ 168).
ومن ذلك تقريرهم على ما بأيديهم من الأموال التي اكتسبوها قبل الإسلام بربًا أو غيره، ولم يأمر بردها، بل جعل لهم بالتوبة ما سلف من ذلك، ومنه تقرير الحبشة باللّعب في المسجد بالحِرَاب، وتقرير عائشة على النظر إليهم (1)، وهو كتقرير النساء على الخروج والمشي في الطرقات وحضور المساجد (2) وسماع الخطب التي كان يُنادى بالاجتماع لها (3)، وتقريره الرجال على استخدامهنَّ في الطَّحن والغسل والطبخ والعجن وعلف الفرس والقيام بمصالح البيت (4)، ولم يقل للرجال قط: لا يحل لكم ذلك إلا بمعاوضتهن أو استرضائهن حتى يتركن الأجرة، وتقريره لهم على الإنفاق عليهن بالمعروف من غير تقدير فرضٍ ولا حبٍّ ولا خبز، ولم يقل لهم: لا تبرأ ذممكم من الإنفاق الواجب إلا بمعاوضة الزوجات من ذلك على الحبِّ الواجب لهنّ مع فساد المعاوضة من وجوه عديدة، أو بإسقاط الزوجات حقهن من الحَبّ، بل إقرارهم (5) على ما كانوا يعتادون نفقته
(1) لعب الحبشة في المسجد ونظر عائشة إليهم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ثابت من حديث عائشة نفسها، أخرجه البخاري في (الصلاة) (454 و 455): باب أصحاب الحِرَاب في المسجد -وأطرافه هناك- ومسلم (892)(17) - (21) في (صلاة العيدين): باب الرخصة في اللعب.
(2)
أحاديث خروج النساء إلى المساجد كثيرة، منها حديث ابن عمر رواه البخاري (865) في (الأذان): باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغَلَس، و (873): باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد، ومسلم (442) كتاب (الصلاة): باب خروج النساء إلى المساجد.
وحديث أبي هريرة: "لا تمنعوا إماء اللَّه مساجد اللَّه وليخرجن تفلات" وقد تقدم تخريجه.
(3)
مثل خُطبة الجمعة، وفي هذا تقول أم هشام بنت حارثة بن النعمان -وهي أخت عمرة بنت عبد الرحمن لأمها-: ما حفظتُ (ق) إلّا من في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة.
وخطبة العيدين فقد روى ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى يوم العيد ثم بعد خطبته أتى النساء فوعظهن وذكرهنّ أمرهن بالصدقة، وأخرج ذلك البخاري (977) في (العيدين): باب العَلَم الذي بالمصلى ومسلم (884) أول صلاة العيدين.
(4)
روى البخاري في "صحيحه" في مواطن منها (3113) في فرض الخمس: باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، و (5361) في (النفقات): باب عمل المرأة في بيت زوجها، و (5362): باب خادم المرأة، ومسلم (2727) في (الذكر والدعاء): باب التسبيح أول النهار وعند النوم عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرَّحَى في يدها و. . . وذكر أنها طلبت من النبيّ صلى الله عليه وسلم خادمًا فعلّمها النبيّ صلى الله عليه وسلم ما تقول عند النوم، وقال:"فهو خيرٌ لكما من خادم"، وانظر ما قاله الحافظ ابن حجر في "الفتح"(5/ 506 و 507)، والسخاوي في "رجحان الكفة"(ص 112، 115) فإنه هام.
(5)
في المطبوع: "بل أقرهم".
قبل الإسلام وبعده، وقرّر وجوبه بالمعروف، وجعله نظير نفقة الرقيق في ذلك (1)، ومنه تقريرهم على التطوّع بين أذان المغرب والصلاة، وهو يراهم ولا ينهاهم (2).
ومنه تقريرهم على بقاء الوضوء، وقد خفقت رؤوسهم من النوم في انتظار الصلاة ولم يأمرهم بإعادته (3)، وتطرق احتمال كونه لم يعلم ذلك مردود بعلم اللَّه به، وبأن القوم أجلّ وأعرف باللَّه ورسوله أن لا يخبروه (4) بذلك، وبأن خفاء مثل ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو يراهم ويشاهدهم خارجًا إلى الصلاة ممتنع (5).
ومنه تقريرهم على جلوسهم في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا (6).
(1) انظر "الفتاوى الكبرى"(2/ 234 - 235)، وكتابي "من قصص الماضين"(ص 129).
(2)
روى مسلم في "صحيحه"(836) في (صلاة المسافرين): باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب عن مُختار بن فُلفل عن أنس: ". . . وكنا نصلي على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلَّاهما؟ قال: كان يرانا نصلّيهما فلم يأمُرنا ولم يَنْهنا"، وانظر:"بدائع الفوائد"(4/ 114 - 115).
(3)
روى أبو داود في "سننه"(200) في (الطهارة): باب الوضوء من النوم -ومن طريقه البيهقي في "سننه الكبرى"(1/ 119) -، والدارقطني (1/ 131) أو (رقم 468 - بتحقيقي) من طريق هشام الدسوائي عن قتادة عن أنس قال: كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلّون ولا يتوضؤون. قال الدارقطني: صحيح.
وروى الدارقطني (1/ 130 - 131)، والبيهقي (1/ 120) من طريق ابن المبارك عن معمر عن قتادة عن أنس قال:"رأيت أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى أني لأسمع لأحدهم غطيطًا ثم يقومون فيصلّون ولا يتوضئون"، قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس، وصححه الدارقطني، وحديث قتادة عن أنس هذا في "صحيح مسلم" (376) في (الحيض): باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، ولفظه:"كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون"، وفي "صحيح البخاري"(642) و (643) و (6292)، و"صحيح مسلم" (376) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: أقيمت الصلاة ورجلٌ يناجي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فما زال يناجيه حتى نام أصحابه، ثم قال: فصلّى.
وفي لفظ مسلم: فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه، ثم جاء فصلّى بهم.
وانظر للفائدة: "صحيح ابن حبان"(3/ 379 و 380)، و"نصب الراية"(1/ 46 - 47)، و"التلخيص الحبير"(1/ 116)، و"فتح الباري"(1/ 314 - 315).
في (ق): "ولم يأمرهم بإعادة الوضوء".
(4)
في (ن): "أن لا يخبره".
(5)
انظر: "بدائع الفوائد"(4/ 89).
(6)
أخرج ابن أبي شيبة (1/ 146) عن وكيع، وابن أبي شيبة (1/ 340) وسعيد بن منصور (646) و (647) عن عبد العزيز بن محمد، كلاهما عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال:"كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدخلون المسجد ويخرجون منه، ولا يصلون فيه، ورأيت ابن عمر يفعله" لفظ عبد العزيز. وله لفظ آخر: "رأيت رجالًا من أصحاب رسول اللَّه =
ومنه تقريرهم على مبايعة عميانهم على مبايعتهم وشرائهم بأنفسهم من غير نهي لهم عن ذلك يومًا ما، وهو يعلم أن حاجة الأعمى إلى ذلك كحاجة البصير (1).
ومنه تقريرهم على قبول الهدية التي يخبرهم بها الصبي والعبد والأمة (2)، وتقريرهم على الدخول بالمرأة التي يخبرهم بها النساء أنها امرأته، بل الاكتفاء بمجرد الإهداء من غير إخبار.
ومنه تقريرهم على قول الشعر وإن تغزَّل أحدهم فيه بمحبوبته، وإن قال فيه ما لو أقر به في غيره لأخذ به كتغزل كعب بن زهير بسعاد (3)، وتغزّل حسان في شعره، وقوله فيه:
= يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضئوا وضوء الصلاة". ولفظ وكيع عن هشام عن زيد (دون ذكر عطاء) قال: كان الرجل منهم يجنب، ثم يدخل المسجد، فيحدث فيه، وإسناده حسن. وانظر:"تهذيب السنن"(1/ 157 - 158)، و"طريق الهجرتين"(ص 379).
(1)
بيع العميان من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الوقت الحاضر لم يمنعوا من بياعاتهم ولم ينكر عليهم أحد، قاله الكاساني في "بدائع الصنائع"(5/ 164).
قلت: وجوز النبيّ صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ البيع والشراء، وقال له:"إذا بايعت فقل لا خلابة"، وكان ضريرًا.
وأدلّة المانعين لا تنهض وليست في المسألة، انظرها ومناقشتها في كتاب أستاذنا ياسين دراركة -حفظه اللَّه-:"نظرية الغرر في الشريعة الإسلامية"(1/ 373 - 381)، "الإشراف"(2/ 497 مسألة 815) للقاضي عبد الوهاب وتعليقي عليه.
(2)
انظر: "إغاثة اللهفان"(1/ 363)، و"بدائع الفوائد"(1/ 6 و 3/ 145 - 146).
(3)
روى قصته ابن إسحاق -كما في "سيرة ابن هشام"(4/ 157) - قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة فذكر قصة كعب بن زهير، وتغزله بسعاد في بداية القصيدة، وعاصم بن عمر هذا مات بعد المئة والعشرين وهو من الثقات، فالقصة مرسلة.
ورواه من طريق ابن إسحاق الحاكم في "المستدرك"(3/ 584).
وللقصة إسناد آخر وفيها تغزل كعب، أخرجها ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2706)، والحاكم في "المستدرك"(3/ 579) ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوّة"(5/ 207 - 211) وابن ديزيل في "جزئه"(ص 53)، وثعلب في "مجالسه"(2/ 340)، وأبو الفرج في "الأغاني"(15/ 142)، وابن خير الإشبيلي في "الفهرست"(400 - 401) من طريق إبراهيم بن المنذر الحزاميّ نا حجاج بن ذي الرُّقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سُلمى عن أبيه عن جده، وصححه الحاكم في (3/ 583) ووافقه الذهبي وذكر القصة بهذا الإسناد الحافظ ابن حجر في "الإصابة" في ترجمة كعب وقال:"ووقعت لنا بعلو في جزء إبراهيم بن ديزيل الكبير"، وسكت على الإسناد! مع أن الحجاج وأباه وجده لا ترجمة لهم!!
وروى القصة أيضًا الحاكم في "المستدرك"(3/ 582) ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوّة"(5/ 211) من طريق موسى بن عقبة في "مغازيه" لكن دون إسناد من موسى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم! =
كأن سبيئة (1) من بيت رأس
…
يكون مزاجها عسل وماء
ثم ذكر وصف الشراب، إلى أن قال:
ونشربها فتتركنا ملوكًا
…
وأسدًا لا ينهنهنا اللقاء (2)
فأقرّهم على قول ذلك وسماعه، لعلمه ببرِّ قلوبهم ونزاهتهم وبعدهم عن كل دَنَسٍ وعيب، وأن هذا إذا وقع [مقدمة](3) بين يدي ما يحبه اللَّه ورسوله من مدح الإسلام وأهله وذم الشرك وأهله والتحريض على الجهاد والكرم والشجاعة فمفسدته مغمورة جدًا في جنب هذه المصلحة، مع ما فيه من مصلحة هزّ النفوس واستمالة إصغائها وإقبالها على المقصود بعده، وعلى هذا جرت عادة الشعراء بالتغزّل بين يدي الأغراض التي يريدونها بالقصيد.
ومنه تقريرهم على رفع الصوت بالذكر بعد السلام، بحيث كان مَنْ هو خارج المسجد يعرف انقضاء الصلاة بذلك، ولا ينكره عليهم (4).
= وروى أولها فقط الحاكم (3/ 582) من طريق محمد بن عبد الرحمن الأوقص عن ابن جدعان.
وابن جدعان هو علي بن زيد ضعيف، ثم بينه وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم مفاوز.
ولعل القصة بهذه الطرق يكون لها أصل، واللَّه أعلم. وانظر "القول المستجاد في بيان صحة قصيدة بانت سعاد" للعلامة إسماعيل الأنصاري رحمه الله، و"توثيق قصيدة بانت سعاد في المتن والإسناد" للدكتور سعود الفنيان.
(1)
في المطبوع "خبيئة"، وفي (ق):"سبية".
(2)
ذكر هذه الأبيات ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام (4/ 43) - وأن حَسَّانًا قالها بعد فتح مكة- دون إسناد.
أما المؤلف رحمه الله فقد ذكر في "زاد المعاد"(3/ 416 طبعة مؤسسة الرسالة) إن حسانًا قالها بعد عمرة الحديبية، وعلى الحالتين كان ذلك قبل تحريم الخمر، راجع:"أفعال الرسول" للأشقر (2/ 114 - 115) وقارن بـ "نظم الدرر" للبقاعي (14/ 119 - 120)، وانظر:"ديوان حسان بن ثابت"(ص 56 - 57) بشرح البرقوقي، وفيه:"ما ينهنهنا"، وفي المطبوع:"كان خبيئة"، والتصويب من "الديوان" و (ن).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
روى البخاري (841) في الأذان: باب الذكر بعد الصلاة ومسلم (583)(122) في المساجد: باب الذكر بعد الصلاة عن ابن عباس: "أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال ابنُ عباس: كنت أعلمُ إذا انصرفوا لذلك إذا سمعتُهُ.
ومن الوجه نفسه؛ رواه البخاري (482) ومسلم (583)(120) و (121) ولفظه: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالتكبير.
وانظر لبيان معنى الحديث: "فتح الباري"(2/ 225 - 326).